هذه إلى أن أعود إليك. فألّف أبو عبيد غريب المصنّف إلى أن عاد طاهر ابن الحسين من خراسان».
يوهم كلام البغدادي بأنّ أبا عبيد قد ألّف كتابه «الغريب المصنّف» خصيّصا لعبد الله بن طاهر جزاء صنيعه معه أي حوالي سنة ٢١٠ ه وهي السنة التي اتّصل به فيها. ولا يمكن في اعتقادنا أن يكون إحسان ابن طاهر إلى أبي عبيد دافعا له لتأليف الكتاب ، كما أنّه لا يمكن القول بأنّ أبا عبيد بدأ تأليف الغريب بعد سنة ٢١٠ ه وذلك للأسباب التالية :
١) كنّا ذكرنا في بدء حديثنا عن هذا الكتاب أنّ أبا عبيد كان يقول : «كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة» وقيل ثلاثين وقيل خمسين. وستكون وفاة أبي عبيد مُجْمَعًا عليها سنة ٢٢٤ ه. فإذا فرضنا أنّ الكتاب لم يظهر إلّا هذه السنة وهو بمكّة لا بخراسان وبعث بالغريب المصنف إلى ابن طاهر يكون قد بقي في تأليفه أربع عشرة سنة أي أقلّ من نصف المدّة التي زعم أبو عبيد أنّه قضاها في تأليفه.
٢) سبق أن ذكرنا أيضا أنّ أبا عبيد لم يتعرّف على عبد الله بن طاهر بن الحسين الذي سيصبح فيما بعد وليّ نعمته إلّا سنة ٢١٠ ه / ٨٢٦ م وسيغادره قاصدا مكة للحجّ والإقامة بها سنة ٢١٩ ه / ٨٣٤ م. فلم يمكث إذن أبو عبيد عند ابن طاهر إلّا تسع سنوات ، فلا يمكن أن يكون التأليف بإيعاز من ابن طاهر أمير خراسان ولا أيضا في هذه الحقبة القصيرة وهو القائل :
«كنت في تأليفه أربعين سنة». وما ذكره البغدادي من أنّ التأليف تمّ أثناء غياب الأمير مدعاة للشكّ ولا يمكن الأخذ به. على أنّا نرجّح أنّ أبا عبيد كان بصدد الانتهاء من التأليف عندما اتّصل بابن طاهر ولعلّه أهداه مؤلّفه بعد رجوعه من خراسان على عادة الكثير من الكتّاب مع أولياء النعم. ولا يخفى علينا أنّ ابن طاهر كان ـ إلى حين ـ وليّ نعمة أبي عبيد وأغدق عليه من ماله ألف دينار.