(هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٥) بك حال الإنباء (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً) وقت المساء (يَبْكُونَ) (١٦) (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) نرمي (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) ثيابنا (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) بمصدق (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١٧) عندك لا تهمتنا في هذه القصة لمحبة يوسف فكيف وأنت تسيء الظن بنا (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ) محله نصب على الظرفية أي فوقه (بِدَمٍ كَذِبٍ) أي ذي كذب بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه (قالَ) يعقوب لما رآه صحيحا وعلم كذبهم (بَلْ سَوَّلَتْ) زينت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ففعلتموه به (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) لا جزع فيه وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ) المطلوب منه العون (عَلى ما تَصِفُونَ) (١٨) تذكرون من أمر يوسف (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) مسافرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) الذي يرد الماء ليستقي منه (فَأَدْلى) أرسل (دَلْوَهُ) في البئر
____________________________________
(عِشاءً) أي ليكونوا في الظلمة ليقبل اعتذارهم ، فلما بلغوا منزل يعقوب ، جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وسألهم ، فأجابوه بما ذكر. قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) إلخ ، في هذا الكلام فتح باب اتهام لهم كما لا يخفى. قوله : (لاتهمتنا) إلخ ، قدره المفسر إشار إلى أن لو شرطية ، وجوابها محذوف ، والأسهل من هذا جعل الواو حالية ، ولو زائدة ، والتقدير وما أنت بمؤمن لنا ، والحال أنا كنا صادقين في نفس الأمر. قوله : (محله نصب) أي فعلى ظرف بمعنى فوق. قوله : (أي ذي كذب) أشار بذلك إلى أن وصف الدم بالكذب على حذف مضاف ، ويصح أن يكون مبالغة على حد زيد عدل. قوله : (سخلة) هي الصغيرة من الغنم. قوله : (وذهلوا عن شقه) أي عن تمزيقه ، لأن العادة أن الذئب إذا أكل الإنسان يشق قميصه ، وقد ذهلوا عن هذه الحيلة كي لا تتم لهم. قوله : (لما رآه صحيحا) روي أنه قال : ما أحلم هذا الذئب يأكل ابني ولا يقد قميصه ، وقيل : إنهم أتوه بذئب وقالوا : هذا أكله ، فقال يعقوب : أيها الذئب ، أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي؟ فأنطقه الله قال : والله ما أكلت ولدك ولا رأيته قط ، ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء ، فقال له يعقوب : فكيف وقعت بأرض كنعان؟ فقال : جئت لصلة الرحم ، فأخذوني وأتوا بي إليك ، فأطلقه يعقوب.
قوله : (بَلْ سَوَّلَتْ) أي سهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما ، فعلتموه بيوسف وهونتموه في أعينكم. قوله : (لا جزع فيه) فسر المفسر الصبر الجميل ، بأنه الذي لا جزع فيه ، والأولى أن يفسره كما في الحديث : «بأنه الذي لا شكوى فيه لغير الله ، وأما الهجر الجميل ، فهو الذي لا إيذاء معه ، وأما الصفح الجميل ، فهو الذي لا عتاب بعده ، وقد تحقق بجميعها كل من يوسف ويعقوب». قوله : (المطلوب منه العون) أي فالسين والتاء للطلب. قوله : (عَلى ما تَصِفُونَ) أي على تحمل المكاره التي تذكرونها في أمر يوسف.
قوله : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) جمع سائر أي مسافر ، سموا بذلك لسيرهم في الأرض. قوله : (من مدين إلى مصر) أي فأخطؤوا الطريق ، ونزلوا بأرض قفراء قريبا من الجب. قوله : (فَأَرْسَلُوا) ذكر باعتبار المعنى ، ولو راعى اللفظ لقال : فأرسلت واردها. قوله : (وارِدَهُمْ) وهو مالك بن ذعر الخزاعي ، وهو من أهل مدين. قوله : (فَأَدْلى دَلْوَهُ) يقال أدلى بالهمز إذا أرسل الدلو في البئر ودلاه بالتضعيف إذا نزعه ،