فتعلق بها يوسف فأخرجه فلما رآه (قالَ يا بُشْرى) وفي قراءة بشرى ونداؤها مجاز أي احضري فهذا وقتك (هذا غُلامٌ) فعلم به إخوته فأتوه (وَأَسَرُّوهُ) أي أخفوا أمره جاعليه (بِضاعَةً) بأن قالوا هذا عبدنا أبق ، وسكت يوسف خوفا من أن يقتلوه (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٩)
____________________________________
والدلو مؤنث وقد يذكر. قوله : (فأخرجه) أي بعد أن مكث فيها ثلاثة أيام على ما قيل ، ولما خرج صارت جدران البئر تبكي عليه.
قوله : (قالَ يا بُشْرى) منادى مضاف لياء المتكلم. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (ونداؤها مجاز) أي لتنزيلها منزلة العاقل. قوله : (هذا غُلامٌ) التنكير للتعظيم ، لأنه كان عليهالسلام حسن الوجه ، جعد الشعر ، ضخم العينين ، مستوي الخلق ، أبيض اللون ، غليظ الساعدين والعضدين والساقين ، وخميص البطن ، صغير السرة ، وكان إذا تبسم ظهر النور من ضواحكه وإذا تكلم ظهر من ثناياه ، وبالجملة لم يكن أحسن منه إلا سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن يوسف أعطي شطر الحسن ، ورسول الله أعطي الحسن كاملا ، قال البوصيري :
منزه عن شريك في محاسنه |
|
فجوهر الحسن فيه غير منقسم |
إن قلت : إذا كان كذلك ، فلم لم تفتتن النساء بجمال محمد صلىاللهعليهوسلم كما افتتنّ بجمال يوسف؟ أجيب : بأن جمال محمد قد ستره الله بالجلال كالشمس ، لا يستطيع أحد أن يتأمل فيها إذا قرب منها ، ولذا لم ترو الشمائل الشريفة ، إلا عن صغار الصحابة ، كالحسن والحسين وعبد الله بن عمر وغيرهم ، لا عن كبارهم ، لقيام الجلال بقلوبهم فيمنعهم من وصفه ، وأما جمال يوسف فهو ظاهر ، لم يستتر بجلال كالبدر ، فحينئذ يتأمل فيه المتأمل ويصفه الواصف ، غير أنه يعجز عن استيعاب محاسنه ، ومن هذا المعنى قول ابن الفارض :
لو أسمعوا يعقوب بعض ملاحة |
|
في وجهه نسي الجمال اليوسفي |
قوله : (فعلم به إخوته) أي حين نظروا إلى القافلة واجتماعها على البئر ، فأتوهم وقد ظنوا موت يوسف ، فرأوه أخرج حيا ، فضربوه وقالوا : هذا عبد آبق منا ، فإن أردتم بعناه لكم ، ثم قالوا له بالعبرانية : لا تنكر العبودية نقتلك ، فأقر بها ، فاشتراه مالك بن ذعر الخزاعي. قوله : (وَأَسَرُّوهُ) الضمير عائد على السيارة بمعنى بعضهم ، وهو مالك بن ذعر ، والمعنى أن البائع والمشتري أخفوا أمره وجعلوه بضاعة أي قالوا : إنه بضاعة استبضعناه لبعض أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ، وإنما قالوا ذلك خيفة أن يطلبوا منه الشركة فيه وقوله : (جاعليه) حال من فاعل (أَسَرُّوهُ) ، وقوله : (بِضاعَةً) معمول لتلك الحال ، وهذا في الحقيقة ، وأما بحسب الظاهر ، فهو حال من الواو في أسروه ، ومعنى قوله بضاعة ، أنه ملك للغير أعطوه له ليبيعه لهم ، ويصح أن يعود الضمير على الإخوة ، ويكون معنى البضاعة الشيء المعمول الذي يباع ويشرى ، وعليه درج المفسر.
قوله : (بِما يَعْمَلُونَ) أي من العمل الذي ظاهره قبيح وباطنه حسن ، حيث ترتب عليه من الأسرار والفوائد العظيمة ، ما لا يدخل تحت حصر ، وهذا تعليم من الله لعباده ، التفويض والتسليم له في