(لا يَعْلَمُونَ) (٢١) ذلك (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وهو ثلاثون سنة أو وثلاث (آتَيْناهُ حُكْماً) حكمة (وَعِلْماً) فقها في الدين قبل أن يبعث نبيا (وَكَذلِكَ) كما جزيناه (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٢) لأنفسهم (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) هي زليخا (عَنْ نَفْسِهِ) أي طلبت منه أن يواقعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) للبيت (وَقالَتْ) له (هَيْتَ لَكَ) أي هلم واللام للتبيين وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء. (قالَ مَعاذَ اللهِ) أعوذ بالله من ذلك (إِنَّهُ) أي الذي اشتراني (رَبِّي) سيدي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) مقامي فلا أخونه في أهله (إِنَّهُ) أي الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) الزناة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) قصدت منه الجماع (وَهَمَّ بِها) قصد ذلك (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال
____________________________________
قوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) جمع شدة كنعمة وأنعم ، ولم يقل هنا واستوى كما قال في حق موسى ، لأن موسى بلغ الأربعين وهي سن النبوة ، فقد استوى وتهيأ لحمل أسرار النبوة ، وأما يوسف فلم يكن إذ ذاك بلغ هذه السن. قوله : (حكمة) هي العلم مع العمل. قوله : (وَعِلْماً) عطف عام على خاص. قوله : (كما جزيناه) أي بكل خير. قوله : (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي فاعلي الإحسان ، والمعنى : لا خصوصية ليوسف بذلك ، بل سنة الله في خلقه ، إن كل محسن له من الله الجزاء الحسن.
قوله : (وَراوَدَتْهُ) هذه الآية مرتبطة بقوله : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ) إلخ ، وما بينهما اعتراض قصد به بيان عواقب صبر يوسف ، من السيادة والخير العظيم ، والمراودة مفاعلة ، وهي في الأصل تكون من الجانبين ، ولكنها هنا من جانب واحد ، ولما كان الجانب الآخر سببا في حصول الفعل نزل منزلته ، فقيل فيه مفاعلة ، وذلك أن جمال يوسف سببا لميلها وطلبها له ، فالمفاعلة ليست على بابها ، نظير مداواة المريض ، فإن سبب المداواة المرض القائم بالمريض. قوله : (هي زليخا) أي يصرح باسمها ، استهجانا له وسترا وتعليما للأدب ، كأن الله يقول : من الآداب أن لا يذكر أحد زوجته باسمها ، بل يكني عنها ، ولم يذكر في القرآن اسم امرأة إلا مريم ، وتقدم الجواب عنه بأن النصارى زعموا أنها زوجة الله ، فذكرها باسمها ردا عليهم ، كأنه يقول : إن أحدكم يستنكف عن ذكر اسم زوجته بين الناس ، فلو كانت زوجة له كما تزعمون ، لكنى عنها كما يكني الرجال عن زوجته. قوله : (أي طلبت منه) أشار بذلك إلى أن المراودة من جانبها فقط.
قوله : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) أي وكانت سبعة. قوله : (هَيْتَ لَكَ) أي بفتح الهاء والتاء ككيف. قوله : (وفي قراءة بكسر الهاء) أي مع فتح التاء كقيل ، وقوله : (وأخرى) بضم التاء أي مع فتح الهاء كحيث ، فهذه ثلاث قراءات ، وبقي قراءتان وهما : هئت بكسر الهاء وبالهمزة الساكنة وفتح التاء وضمها وكلها سبعية. قوله : (واللام للتبيين) أي تبيين المفعول الذي هو المخاطب ، كأنها تقول : الخطاب لك نظير سقيا لك ورعيا لك. قوله : (مَعاذَ اللهِ) منصوب على أنه مصدر نائب عن الفعل ، والأصل أعوذ بالله معاذا كسبحان الله بمعنى أسبح الله.
قوله : (إِنَّهُ رَبِّي) الهاء اسم إن ، وربي خبرها ، و (أَحْسَنَ) جملة حالية أو خبر ثان ، وما درج عليه المفسر من أن الضمير للحال والشأن ، ومراده بربه الذي اشتراه أحد تفسيرين ، والآخر أن الضمير يعود على الله تعالى ، وهو الأقرب والأظهر. قوله : (أَحْسَنَ مَثْوايَ) تعهدي حيث أمرك بإكرامي ، فلا يليق مني أن أخونه ، وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بلطف. قوله : (قصدت منه الجماع) أي مع العزم