ابن عباس مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، وجواب لو لا لجامعها (كَذلِكَ) أريناه البرهان (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) الخيانة (وَالْفَحْشاءَ) الزنا (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢٤) في الطاعة وفي قراءة بفتح اللام أي المختارين (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) بادر إليه يوسف للفرار وهي للتشبث به فأمسكت ثوبه وجذبته إليها (وَقَدَّتْ) شقت (قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا) وجدا (سَيِّدَها) زوجها (لَدَى الْبابِ) فنزهت نفسها ثم (قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) زنا (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) يحبس أي سجن (أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٥) مؤلم بأن يضرب (قالَ)
____________________________________
والتصميم. قوله : (قصد ذلك) أي بمقتضى الطبع البشري من غير رضا ولا تصميم ، كميل الصائم للماء البارد ، ولكن يمنعه دينه عنه ، وهذا لا يؤاخذ به الإنسان ، بل في مدافعته الثواب الجزيل والأجر الجميل ، فمخالفة النفس عن شهواتها ، مع وجود ميل الطبع ، أعلى وأجل من تركها لعدم الميل لها ، ولذا يباهي الله بالشاب التارك لشهواته الملائكة الكرام ، قال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى). قوله : (قال ابن عباس) أي وفي رواية : أنه انفرج سقف البيت ، فرأى يعقوب عاضا على أصبعه ، وفي رواية : إنه نودي يا يوسف أتواقعها؟ إنما مثلك ما لم تواقعها ، مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه ، وإنما مثلك إن واقعتها ، مثل الطير إذا وقع على الأرض ، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئا ، ومثلك ما لم تواقعها ، مثل الثور الصعب الذي لا يطاق ، ومثلك إذا واقعتها ، كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه ، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، وبالجملة فقد كثرت عليه الواردات في هذا الشأن. قوله : (وجواب لو لا لجامعها) أي فيكون المعنى ، امتنع جماعه لها لرؤيته برهان ربه ، وقيل : إن قوله : (وَهَمَّ بِها) هو الجواب ، والمعنى : ولو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ، امتنع همه بها لرؤية برهان ربه ، فلم يقع همّ أصلا ، وحينئذ فالوقف على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) وهذا هو الأحسن في هذا المقام ، لخلوه من الكلفة والشبهة.
قوله : (كَذلِكَ) (أريناه) إلخ ، أشار بذلك إلى أن الكاف مع مجرورها في محل نصب معمول لمحذوف ، وقوله : (لِنَصْرِفَ) متعلق بذلك المحذوف. قوله : (الْمُخْلَصِينَ) (في الطاعة) أي الذين لا يشركون في طاعته غيره. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (بفتح اللام) أي اسم مفعول من أخلصه أي اجتباه واختاره.
قوله : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) حكمة إفراد الباب هنا وجمعه فيما تقدم ، أنها لم تتمكن من المراودة ، إلا بعد غلق تلك الأبواب ، وأما فراره وتسابقهما ، فلم يكن إلا عند باب على تلك الأبواب. إن قلت : مقتضى قوة الرجولية أنه يسبقها ولم يعقه عائق. أجيب : بأن الذي عاقه عن السبق ، إنما هو الاشتغال بفتح الأبواب. قوله : (للتشبث) أي التعلق. قوله : (فأمسكت ثوبه) أي وقطعت منه قطعة بقيت في يدها. قوله : (لَدَى الْبابِ) أي البراني الأقصى. قوله : (فنزهت نفسها) أي بادرت بذلك. قوله : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ) إلخ ، ما يحتمل أن تكون نافية أو استفهامية ، ومن موصولة أو نكرة موصوفة.
قوله : (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في ذلك إشارة لطيفة ، إلى أن زليخا لشدة حبها ليوسف ، بدأت بذكر السجن لخفته ، وأخرت العذاب لشدته ، لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب ، وأيضا فإن