حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) إلي (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) لم يقل من الجب تكرما لئلا يخجل إخوته (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) البادية (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ) أفسد (الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بخلقه (الْحَكِيمُ) (١٠٠) في صنعه وأقام عنده أبوه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) تعبير الرؤيا (فاطِرَ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي) متولي مصالحي (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون سنة وتشاح المصريون في قبره فجعلوه في
____________________________________
أي السجود. قوله : (حَقًّا) أي صدقا حيث وجدت ، وتحققت في الخارج على طبق ما في النوم.
قوله : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) أي أنعم علي. قوله : (لئلا يخجل إخوته) أي ولأن نعمة الله عليه في الخروج من السجن ، كان سببا لوصوله إلى الملك ، بخلاف إخراجه من الجب ، فإنه أعقبها الرق والتهمة والسجن ، وليس في ذلك إدخال سرور على أبويه. قوله : (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) عطف على أخرجني ، والمعنى وقد أنعم علي وقت إخراجي من السجن ، ووقت مجيئكم من البدو.
قوله : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ) ضمنه معنى مدبر فعداه باللام ، واللطيف معناه الرفيق المحسن. قوله : (وكانت مدة فراقه ثماني عشرة) إلخ ، حاصله أنه اختلف في مدة فراق يوسف لأبيه ، فذكر المفسر ثلاثة أقوال ، وقيل اثنان وعشرون ، وقيل ست وثلاثون ، وقيل خمس وثلاثون ، وقيل سبعون ، ولا يعلم الحقيقة إلا الله ، واتفقوا على أن عمر يوسف مائة وعشرون سنة. قوله : (فوصى يوسف أن يحمله) إلخ ، أي وقد فعل ، فجعله في تابوت من ساج حتى قدم به الشام ، فوافق ذلك موت عيصو أخي يعقوب ، وكانا قد ولدا في بطن واحد ، فدفنا في قبر واحد. قوله : (ولما تم أمره) أي في ملكه. قوله : (وعلم أنه) أي الملك. قوله : (إلى الملك الدائم) أي وهو نعيم الآخرة. قوله : (فقال) أي طلب الملك الدائم بوفاته على الإسلام ، وما قبل ذلك فهو ثناء على الله ، قدم على الدعاء لمراعاة الأدب ، إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له إذا أراد أن يدعو ، يقدم الثناء على الله اعترافا بالنعم ، ثم بعد ذلك يسأل مطلوبه. قوله : (مِنَ الْمُلْكِ) أي بعضه وهو ملك مصر ، إذ لم يملك جميع الأقطار إلا أربعة ، اثنان مسلمان : اسكندر ذو القرنين وسليمان بن داود ، واثنان كافران : بختنصر وشداد بن عاد.
قوله : (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يصح أن يكون نعتا لرب ، أو بدلا أو عطف بيان أو نداء ثانيا. قوله : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) إن قلت : كيف يطلب الموت مع أن تمنيه لا يجوز؟ أجيب : بأنه علم بالوحي قرب أجله ، فطلب ما يكون عند الموت ، وهو اللحوق بالصالحين ، فمحط طلب الموت على ما بعده. إن قلت : إن كل نبي مقطوع بموته على الإسلام ، فلم طلب ذلك؟ أجيب : بأن الله تجلى على يوسف بخوف الإجلال فطلب ذلك ، لأن المعصوم عند ذلك ينسى العصمة. قوله : (من آبائي) أي