صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه (ذلِكَ) المذكور من أمر يوسف (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أخبار ما غاب عنك يا محمد (نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) لدى إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) في كيده أي عزموا عليه (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (١٠٢) به أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك علمها من جهة الوحي (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) أي أهل مكة (وَلَوْ حَرَصْتَ) على إيمانهم (بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) أي القرآن (مِنْ أَجْرٍ) تأخذه (إِنْ) ما (هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (لِلْعالَمِينَ) (١٠٤) (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ آيَةٍ) دالة على وحدانية الله (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها) يشاهدونها (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥) لا يتفكرون فيها (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ) حيث يقرون
____________________________________
ابراهيم واسحاق ويعقوب ، فالمراد لحوقا خاصا الذي هو أعلى المراتب. قوله : (مات) أي وقد توراث الفراعنة من العمالقة بعد يوسف ، ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا من دين يوسف وآبائه ، إلى أن بعث الله موسى عليهالسلام ، وأغرق فرعون وقومه ، فقطع الله الفراعنة منها ، وأورثها الله بني إسرائيل. قوله : (وتشاح المصريون في قبره) أي حتى هموا أن يقتتلوا ، ثم اصطلحوا على أن يدفنوه في أعلى النيل من جهة الصعيد ، لتعم بركته الجميع ، فجعلوه في صندوق من مرمر ، وهو نوع من أجود الرخام ، ودفنوه في الجانب الأيمن فأخصب ، وأجدب الجانب الأيسر فنقل له فأخصب ، وأجدب الجانب الأيمن ، فدفنوه في وسط النيل وربطوه بسلسلة ، فأخصب الجانبان ، فبقي أربعمائة سنة ، فلما أمر الله موسى بالخروج من مصر ، أمره بأخذ يوسف معه ودفنه في الأرض المقدسة بقرب آبائه ، فلم يهتد إلى مكانه ، فدلته عليه عجوز ، قيل إنها من أولاد يعقوب ، وشرطت عليه أن تكون معه في الجنة ، فضمن لها ذلك ، وشرطت عليه أيضا أن يدعو لها أن ترجع شابة كلما هرمت فدعا لها ، فكانت كلما وصلت في السن خمسين سنة ، رجعت بنت ثلاثين ، فعاشت ألفا وستمائة سنة ، فحمله موسى ودفنه بالأرض المقدسة ، فهو الآن هناك. وأما إخوته فلم يثبت في محل دفنهم شيء ، وما قيل من أنهم مدفونون في المحل المعروف بالقرافة الكبرى ، فهو بالظن فقط. قوله : (المذكور) أي من أمر يوسف وقصته.
قوله : (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي الأخبار المغيبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي. قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) كالعلة لقوله : (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) ولقوله : (نُوحِيهِ إِلَيْكَ). قوله : (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) أي يحتالون فيما دبروه. قوله : (وإنما حصل لك علمها من جهة الوحي) أي فيكون إخبار معجزة ، لأنه لم يطالع الكتب القديمة ، ولم يأخذ من أحد من البشر ، فإتيانه بتلك القصة العظيمة على أبلغ وجه ، من غير غلط ولا تحريف ، غاية الإعجاز. قوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) إلخ ، هذه تسلية له صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (وَلَوْ حَرَصْتَ) هذه الجملة معترضة بين ما وخبرها. قوله : (وَكَأَيِّنْ) مبتدأ ، و (مِنْ آيَةٍ) تمييز ، وهو تسلية أخرى له صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى لا تتعجب من إعراضهم عنك ، فإن إعراضهم عن الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته أغرب وأعجب. قوله : (كم) أشار بذلك إلى أن (كَأَيِّنْ) بمعنى (كم) الخبرية التي للتكثير. قوله : (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) صفة الآية ، وقوله : (يَمُرُّونَ عَلَيْها) خبر المبتدأ. قوله : (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) الجملة حالية.