وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤) يتدبرون (وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمد من تكذيب الكفار لك (فَعَجَبٌ) حقيق بالعجب (قَوْلُهُمْ) منكرين للبعث (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) لأن القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركها وفي قراءة بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وأخرى عكسه (أُولئِكَ
____________________________________
آدم ، فينزل الله عليهم من السماء تذكرة ، فترق قلوب قوم وتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب قوم فتلهو ولا تسمع. قوله : (بضم الكاف وسكونها) أي فهما قراءتان سبعيتان بمضى مأكول. قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) خصوا بالذكر ، لأنهم الذين ينتفعون بالتفكير والاعتبار.
قوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ) بإدغام الباء في الفاء وبتحقيقها قراءتان سبعيتان ، والعجب استعظام أمر خفي سببه. قوله : (من تكذيب الكفار لك) أي مع كونك كنت مشهورا بينهم بالأمانة والصدق ، فلما جئت بالرسالة كذبوك. قوله : (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) لا بد هنا من صفة محذوفة لتتم الفائدة ، والتقدير فعجب عظيم أو أي عجب ، وعجب خبر مقدم ، وقولهم مبتدأ مؤخر. قوله : (منكرين للبعث) حال من الضمير في (قَوْلُهُمْ).
قوله : (أَإِذا كُنَّا تُراباً) هذه الجملة في محل نصب مقول القول وهو أحسن ما يقال. قوله : (لأن القادر) إلخ ، تعليل لقوله : (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ). قوله : (وما تقدم) أي من رفع السماوات بغير عمد ، وتسخير الشمس والقمر ، وغير ذلك من الأمور المتقدمة. قوله : (قادر على إعادتهم) أي لأنه إذا تعلقت قدرته بشيء كان ، فلا فرق بين الابتداء والإعادة ، وأما قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ) ، فذلك باعتبار عادة المخلوقات ، أن القادر على الابتداء ، تسهل عليه الإعادة بالأولى ، وإلا فالكل في قدرته تعالى سواء. قوله : (وفي الهمزتين في الموضعين) إلخ ، من هنا إلى قوله : (وتركها) أربع قراءات. قوله : (وفي قراءة بالاستفهام في الأول) إلخ ، وفي ذلك ثلاث قراءات ، تحقيق الهمزتين من غير إدخال ألف بينهما ، وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، مع إدخال ألف بينهما وبدونها ، وقوله : (وأخرى عكسه) قراءتان التحقيق مع الألف ودونها ، ولا يجوز تسهيل اللثانية ، فتكون القراءات تسعا وكلها سبعية ، واختلف القراء في هذا الاستفهام المكرر اختلافا منتشرا ، وهو في أحد عشر موضعا ، في تسع سور من القرآن ، فأولها في هذه السورة. والثاني والثالث في الإسراء بلفظ واحد (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً). والرابع في المؤمنون : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ). والخامس في النمل (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ). والسادس في العنكبوت (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ). والسابع في الم السجدة : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). والثامن والتاسع في الصافات (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ). (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ). والعاشر في الواقعة : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ). والحادي عشر في النازعات : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً). والوجه في الاستفهام في الموضعين ، أن الأول للإنكار ، والثاني تأكيد ، والوجه في كونه في موضع واحد ، حصول الإنكار به ، وإحدى الجملتين مرتبطة بالأخرى ، فإذا أنكر في إحداهما ، حصل الإنكار في الأخرى.