يتجاوزه (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما غاب وما شوهد (الْكَبِيرُ) العظيم (الْمُتَعالِ) (٩) بالقهر بياء ودونها (سَواءٌ مِنْكُمْ) في علمه تعالى (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ) مستتر على خلقه (بِاللَّيْلِ) بظلامه (وَسارِبٌ) ظاهر بذهابه في سربه أي طريقه (بِالنَّهارِ) (١٠) (لَهُ) للإنسان (مُعَقِّباتٌ) ملائكة تعتقبه (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) قدامه (وَمِنْ خَلْفِهِ) ورائه (يَحْفَظُونَهُ مِنْ
____________________________________
المدة ، وقوله : (وَما تَزْدادُ) أي وما تزيد ، فهو يعلم الناقص عن تلك المدة والزائد عليها ، لا يخفى عليه شيء من أوقات الحمل ولا من أحواله ، وقيل النقصان السقط ، والزيادة زيادتها على تسعة أشهر ، وأقل مدة الحمل ستة أشهر ، وقد يولد لهذه المدة ويعيش.
قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) هذا أعم مما قبله ، فالشيء يشمل الحمل وغيره ، من أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم ، فقد دبر سبحانه وتعالى العالم بأسره على طبق ، ما تعلقت به قدرته وإرادته ، ولا يعجزه شيء ، ولا يشغله شأن عن شأن قال تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) فينبغي للإنسان أن لا يدبر لنفسه شيئا ، ولا يشتغل بشيء تكفل به غيره ، بل يعتمد على من يدبر الأمور ، ويفوض له أحواله ، ويترك الأوهام التي حجبت القلوب عن مطالعة الغيوب. قوله : (بقدر وحدّ لا يتجاوزه) أي لا يتخلف شيء عن الحد الذي قدره الله له ، من سعادة وشقاوة ورزق وغير ذلك. قوله : (ما غاب وما شوهد) أي ما غاب عنا وما شوهد لنا ، وإلا فكل شيء بالنسبة له مشاهد ، فلا فرق بين ما في أعلى السماوات وما في تخوم الأرضين.
قوله : (الْكَبِيرُ) الذي يصغر كل شيء عنده ذكره ، وليس المراد به كبر الجثة ، إذ هو مستحيل عليه تعالى ، فالمراد الكبير المتصف بكل كمال أزلا وأبدا. قوله : (الْمُتَعالِ) أي المنزه عن كل نقص. قوله : (بياء ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان في الوصل والوقف ، وأما في الرسم فالياء محذوفة لا غير. قوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ) إلخ ، (سَواءٌ) خبر مقدم ، و (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) مبتدأ مؤخر ، ولم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر ، وهو لا يثنى ولا يجمع ، و (مِنْكُمْ) حال من الضمير المستتر في (سَواءٌ) لأنه بمعنى مستو. قوله : (في علمه تعالى) أي فهو يعلم الجميع على حد سواء ، لا يتفاوت من جهر على من أسر.
قوله : (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) أي في نفسه فلم يسمعه غيره. قوله : (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) أي سمعه غيره ، والمعنى سواء ما أضمرته القلوب ، وما نطقت به الألسنة. قوله : (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) أي وسواء من استخفى في ظلام الليل ، ومن هو ظاهر في النهار ، لأنه الخالق لليل وظلمته ، والنهار ونوره ، وما تفعله العبيد فيهما من خير وشر ، وهذه الآية من تدبرها وعمل بمقتضاها أورثته الإخلاص في أعماله ، فيستوي عنده إسرار العبادة وإظهارها ، ليلا أو نهارا والمراقبة ، لأنه إذا علم أن هذه الأشياء مستوية عنده ، ولا يخفى عليه شيء منها ، فلا يستطيع أن يقدم على ما نهى عنه ، ولا ظاهرا ولا باطنا. قوله : (في سربه) بفتح السين وسكون الراء ، يقال سرب في الأرض سروبا ذهب فيه ذهابا ؛ والسرب بفتحتين بيت في الأرض لا منفذ له وهو الوكر ، وليس مرادا هنا ، بل المراد الطريق الظاهرة ، وهي بفتح السين وسكون الراء. قوله : (للإنسان) أي مؤمن أو كافر ، وهذا من مزيد التكرمة للنوع الإنساني ، وإلا فهو الحافظ لكل شيء. قوله : (ملائكة) قيل : خمسة بالليل وخمسة بالنهار ، واحد على اليمين يكتب الحسنات ، وواحد على الشمال يكتب