أَمْرِ اللهِ) أي بأمره من الجن وغيرهم (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) لا يسلبهم نعمته (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الحالة الجميلة بالمعصية (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) عذابا (فَلا مَرَدَّ لَهُ) من المعقبات ولا غيرها (وَما لَهُمْ) لمن أراد الله بهم سوءا (مِنْ دُونِهِ) أي غير الله (مِنْ) زائدة (والٍ) (١١) يمنعه عنهم (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) للمسافرين من الصواعق (وَطَمَعاً)
____________________________________
السيئات ، وواحد موكل بناصيته ، فإذا تواضع رفعه ، وإذا تكبر وضعه ، وواحد موكل بعينيه يحفظهما من الأذى ، وواحد موكل بفمه يمنع عنه الهوام ، والصحيح أنهم عشرة بالليل وعشرة بالنهار ، كما في شرح الجوهرة نقلا عن حديث البخاري ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين كانوا من قبل ، فيسألهم الله ويقول : كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون ، ولا يفارقون الشخص أبدا إلى الممات ، فإذا مات فقد فرغ حفظهم له ، وهم واحد علي يمينه ، وآخر على شماله ، وآخر أمامه ، وآخر خلفه ، واثنان على عينيه ، وواحد على شفتيه ، واثنان على فمه يحفظان الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وواحد آخذ بناصيته ، فإن تواضع رفعه ، وإن تكبر خفضه ، وهؤلاء العشرة غير رقيب وعتيد ، كاتبي الحسنات والسيئات على المعتمد ، وحكمة هذا السؤال ، وإن كان الله عالما بكل شيء تشريف بني آدم بين أهل الملإ الأعلى ، وحكمة إجابة الملائكة بقولهم : تركناهم وهم يصلون ، ولم يذكروا الكافر والتارك للصلاة ، أن العمل الصالح يرفع لأهل السماء ، فيتشرف بنو آدم على العموم ، وتنزل عليهم الرحمة ، وتكثر أرزاقهم ، لأن الرحمة تعم الطائع والعاصي ، فأخبار الملائكة بطاعة بني آدم على العموم لاستجلاب الرحمة لهم من عالم الغيب.
قوله : (مِنْ أَمْرِ اللهِ) اختلف المفسرون في من ، فقيل بمعنى الباء والمحفوظ منه محذوف ، والتقدير يحفظونه بأمر الله من الحوادث ، وقيل إن من على حقيقتها ، والمحفوظ منه مذكور بقوله : (مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي يحفظونه من الجن والحوادث وغير ذلك ، إذا علمت ذلك ، فالمفسر قد أفاد القول الأول. قوله : (من الحالة الجميلة) أي وهي الطاعة ، والمعنى أنها جرت عادة الله ، أنه لا يقطع نعمة عن قوم ، إلا إذا بدلوا أحوالهم الجميلة بأحوال قبيحة وبمعنى هذه الآية قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ). وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إذا رأيت قسوة في قلبك ، وحرمانا في رزقك ، ووهنا في بدنك ، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك». فالنعم تأتي من الله بلا سبب ، وسلبها يكون بسبب المعاصي.
قوله : (إِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) إذا شرطية وجوابها قوله : (فَلا مَرَدَّ لَهُ) والعامل فيها محذوف لدلالة الجواب عليه ، تقديره لم يرد أو واقع ، والمعنى متى سبق في علم الله نزول بلاء بقوم ، فلا يقدر على دفعه أحد من الملائكة ولا من غيرهم ، إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول : لو كانت الأولياء موجودين ، لما نزل علينا بلاء. قوله : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) أي ناصر يدفعه ، قال تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) فلا دافع لما قضاه ، ولا راد لما قدره.
قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) لما أخبر سبحانه وتعالى بقوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) رتب عليه قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) إلخ ، إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى منه الرحمة والعقاب. قوله : (الْبَرْقَ) هو لمعان يظهر من خلال السحاب ، وقيل لمعان المطراق الذي يزجر به