مثلا : إذا فرضنا قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب في الواقع هي الظهر ، فإن كان في فعل الجمعة مصلحة يتدارك بها ما يفوت بترك صلاة الظهر ، فصلاة الظهر في حقّ هذا الشخص خالية عن المصلحة الملزمة ، فلا صفة تقتضي وجوبها الواقعي ، فهنا وجوب واحد واقعا وظاهرا متعلّق بصلاة الجمعة ، وإن لم يكن في فعل الجمعة صفة كان الأمر بالعمل بتلك الأمارة قبيحا ، لكونه مفوّتا للواجب مع التمكّن من إدراكه بالعلم.
فالوجهان مشتركان في اختصاص الحكم الواقعيّ بغير من قامت عنده الأمارة على وجوب صلاة الجمعة. فيرجع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني ، وهو كون الأمارة سببا لجعل مؤدّاها هو الحكم الواقعي لا غير ، وانحصار الحكم في المثال بوجوب صلاة الجمعة ، وهو التصويب الباطل.
قلت : أمّا رجوع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني فهو باطل ، لأنّ مرجع جعل مدلول
____________________________________
ولكن في الحقيقة بعد النظر الدقيق لا فرق بينهما من حيث النتيجة ، إذ النتيجة في كليهما هي التصويب الباطل ، إذ في كلا الوجهين لا بدّ أن يكون هناك مصلحة راجحة على المصلحة الواقعية ليتدارك بها المصلحة الفائتة ، فيضمحل الحكم الواقعي ، وينتفي بانتفاء ملاكه فينحصر الحكم في مؤدّى الأمارة وهو التصويب الباطل ، فبعد قيام الأمارة على وجوب الجمعة مع كون الواجب في الواقع هو الظهر لا يخلو فعل الجمعة عن أحد أمرين :
الأمر الأول : أن يكون فيه مصلحة يتدارك بها ما يفوت بترك صلاة الظهر من المصلحة الواقعية ، فتكون صلاة الظهر خالية عن المصلحة الملزمة ، فينتفي وجوبها بانتفاء الملاك ، فالواجب ـ حينئذ ـ هو صلاة الجمعة ظاهرا وواقعا.
والأمر الثاني : أن لا يكون في فعل الجمعة بعد قيام الأمارة على وجوبها مصلحة يتدارك بها المصلحة الفائتة فيكون الأمر بالعمل على الأمارة ـ حينئذ ـ قبيحا لكونه مفوّتا للواقع مع تمكّن المكلّف من إدراكه بالعلم.
فينحصر الأمر في الأمر الأول من الأمرين ، فينحصر الواجب بصلاة الجمعة ، فالوجهان مشتركان في اختصاص الحكم الواقعي بغير من قامت عنده الأمارة على وجوب صلاة الجمعة فيرجع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني في كونه تصويبا كالوجه الثاني.
(قلت : أمّا رجوع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني فهو باطل) ولا يرجع الوجه الثالث إلى