ومعنى الأمر بالعمل على طبق الأمارة الرخصة في أحكام الواقع على مؤدّاها ، من دون أن يحدث في الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع ، كما يوهمه ظاهر عبارتي العدّة والنهاية المتقدّمتين. فإذا أدّت إلى وجوب صلاة الجمعة واقعا ، وجب ترتيب أحكام الوجوب الواقعي وتطبيق العمل على وجوبها الواقعي ، فإن كان في أول الوقت جاز الدخول فيها بقصد الوجوب وجاز تأخيرها ، فإذا فعلها جاز له فعل النافلة وإن حرمت في وقت الفريضة
____________________________________
المسافر في أول الوقت يكون حكمه الواقعي هو وجوب القصر على قول ، فعلى هذا القول لو صلّى قصرا في أول الوقت ثم صار حاضرا لا يجب عليه الإعادة ولا القضاء لأنه قد أتى بالواجب الواقعي وهو القصر ، ثم انقلب الموضوع إلى موضوع آخر فيجب عليه الإتمام بالنسبة إلى ما يصلّي بعد الحضر.
وفي المسألة قول آخر ، وهو : أنّ وجوب القصر في أول الوقت يكون حكما ظاهريا على المسافر فيكون مشروطا بعدم الحضور قبل خروج الوقت ، فإذا صلّى قصرا ثم حضر في الوقت يجب عليه الإعادة ، لأنّ الحضور في الوقت يكشف عن فساد ما أتى به في أول الوقت.
(ومعنى الأمر بالعمل على طبق الأمارة) كما هو مقتضى الوجه الثالث وجوب ترتيب (أحكام الواقع على مؤدّاها) من دون تغيير الواقع بسبب قيام الأمارة على خلافه ، فيكون الحكم الواقعي باقيا على حاله ، غاية الأمر يكون هناك حكم ظاهري أيضا(من دون أن يحدث في الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع) هذا بخلاف الوجه الثاني حيث يحدث في الفعل الذي تضمّنت الأمارة حكمه مصلحة يتدارك بها المصلحة الواقعية.
وبالجملة ، إن الفرق بين الوجه الثالث والوجه الثاني أظهر من الشمس ، فلا يصح ما قيل من أنّ الوجه الثالث يرجع إلى الوجه الثاني ، كيف يرجع إلى الوجه الثاني مع أنّ الحكم الواقعي يتغيّر في الوجه الثاني بالحكم الواقعي الآخر بعد كشف خلاف الحكم الأول؟! ففي المثال المتقدّم كان الحكم الواقعي لمن قامت عنده الأمارة على وجوب الجمعة هو وجوب الجمعة ، ثم حينما ينشكف الخلاف ينقلب حكمه الواقعي إلى وجوب الظهر ، ولا يتغير الحكم الواقعي في الوجه الثالث ، بل هو باق على حاله ، غاية الأمر ينكشف علما أو ظنا مع كشف الخلاف.