وعدم خطئه في حدسه ، لأنّ الفسق والعدالة حين الإخبار لا يصلح مناطا لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه ، وكذا احتمال الوقوع في الندم ، من جهة الخطأ في الحدس أمر مشترك بين العادل والفاسق ، فلا يصلح لتعليل الفرق به.
فعلمنا من ذلك أنّ المقصود من الآية إرادة نفي احتمال تعمّد الكذب عن العادل حين الإخبار دون الفاسق ، لأنّ هذا هو الذي يصلح لإناطته بالفسق والعدالة حين الإخبار ،
____________________________________
كما أشار إليه المصنّف رحمهالله ، بقوله : (لأنّ الفسق والعدالة حين الإخبار لا يصلح مناطا لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه) ، بل هما إنّما يصلحان أن يكونا مناطين لتعمّد الكذب وعدمه.
فالفسق حين الإخبار مناط لتعمّد الكذب ، لا الخطأ والنسيان والغفلة. والعدالة حين الإخبار مناط لعدم تعمّد الكذب لا لعدم سائر الجهات ، بل هما متساويان بالنسبة إليها. فالآية تدل على عدم الاعتناء باحتمال الكذب في خبر العادل والأخذ به من دون التبيّن ، وكذلك تدل على الاعتناء باحتمال الكذب في خبر الفاسق ، وعدم الاخذ به من دون التبيّن. وأمّا بالنسبة إلى سائر الجهات فهي ساكتة عنها ، فهي لا تنفع في المقام ، لأنّها لا تدل على حجّية الخبر عن حدس ، كما تقدم ذكره في المقدمة.
وثانيا : قد علّل وجوب التبيّن في خبر الفاسق باحتمال الوقوع في الندم ، فلا بدّ أن يكون الوقوع في الندم من جهة احتمال تعمّد الكذب لا من سائر الجهات ، لأنّها مشتركة بين العادل والفاسق.
فمثلا احتمال الوقوع في الندم من جهة الخطأ في الحسّ ، أو في الحدس ، يكون مشتركا بينهما ، فلا يصح التعليل لأنّ التعليل إذا كان فارقا بينهما لا يصلح أن يكون بأمر مشترك بينهما ، بل التعليل كذلك مستهجن استهجان من يقول : أكرم زيد بن أحمد لأنّه إنسان ، مع أن زيد بن أرقم ـ أيضا ـ إنسان ، بل التعليل يجب أن يكون مختصّا بخبر الفاسق ، وهو أن يكون احتمال الوقوع في الندم من جهة تعمد الكذب.
فالمقصود بالآية هو نفي احتمال الكذب عمدا عن العادل حين الإخبار ، وعدم نفيه عن الفاسق حين الإخبار ، وهذا النفي يصلح أن يكون منوطا بالعدالة ، وعدم نفيه يصلح أن يكون منوطا بالفسق ، وملخّص الجميع : إنّ الآية أجنبية عن المقام أصلا ، فلا يصح التمسّك