قوله صلىاللهعليهوآله ، في خطبة حجّة الوداع : (معاشر الناس ، ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلّا أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه) (١) ثم أدركنا ذلك الحكم ؛ إمّا بالعقل المستقلّ وإمّا بواسطة مقدّمة عقليّة ، نجزم من ذلك بأنّ ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجّة ، صلوات الله عليه ، فتكون الإطاعة بواسطة الحجّة.
إلّا أن يدّعى : أنّ الأخبار المتقدّمة وأدلّة وجوب الرجوع إلى الأئمّة صلوات الله
____________________________________
يحكم بوجوب الإطاعة والامتثال الّا بعد صدور الأحكام عن الأئمّة عليهمالسلام ، إذ قبل صدور الحكم من المولى شارعا كان أو غيره لا موضوع لحكم العقل ، وأمّا بعد صدور الحكم عن المولى يحكم العقل بوجوب الإطاعة ، سواء أدركه العقل أو وصل إلى العبد المكلّف بطريق شرعي كخبر العادل مثلا ، فيجب امتثال جميع الأحكام لأنّا نعلم اجمالا بصدورها عن الحجج عليهمالسلام ، سيما بملاحظة ما ورد من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبة حجّة الوداع :
(معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار الّا أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة الّا وقد نهيتكم عنه) فالمستفاد من هذا الخبر هو تحقّق الموضوع قطعا ، يعني : تحقّق صدور جميع الأحكام من المحرّمات والواجبات عن النبي صلىاللهعليهوآله قطعا.
والحاصل أنّ موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة متحقّق في مقام الثبوت والواقع ، فإذا علمنا بالأحكام من العقل أو الشرع تمّ مقام الإثبات ـ أيضا ـ فيجب امتثالها فقد تمّت مدخليّة تبليغ الحجّة في وجوب الإطاعة مع بقاء اعتبار العقل مطلقا.
(إمّا بالعقل المستقل) كحكمه بردّ الوديعة ، و (إمّا بواسطة مقدّمة عقلية) مثل استفادة تنجّس الماء القليل بالملاقات من قوله عليهالسلام : (الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء) (٢) بانضمام مقدّمة عقلية ، وهي انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.
(الّا أن يدّعى).
هذا ردّ للجواب الثاني ، واستدلال بالوجه الثالث الذي تقدم اجمالا.
وحاصل الرد أن الأخبار المتقدّمة تدل على مدخليّة الأمرين في وجوب إطاعة الأحكام
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥ ، أبواب مقدمات التجارة ، ب ١٢ ، ح ٢ ، بتفاوت يسير.
(٢) الفقيه ١ : ٨ / ١٢ ، وسائل الشيعة ١ : ١٥٨ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٩ ، ح ١ ، ٢.