« وخامسا : أنّ الحقّ الحقيق بالاتّباع والتّحقيق : هو أنّ دليل انسداد باب العلم ـ على ما قرّرناه في محلّه ـ لا يقتضي إلاّ جواز العمل بالظّن في طريق الوصول إلى الأدلّة السّمعيّة المقرّرة واستنباط الأحكام منها ، فيقوم الظّن الخاص من نقل الآحاد على وجه السّماع أو المشاهدة كما هو المعهود المتعارف الّذي عليه جرت عادة النّقلة واستقامت الطّريقة مقام القطع الحاصل من السّماع أو المشاهدة والتّواتر المستند إليهما ، والعلم بوجوب العمل بخبر الثّقة الإمامي تعبّدا لحكمة لا يجب اطّرادها يقوم الظّن الحاصل من معاني الألفاظ وأمارات الحقيقة والمجاز ووجوه الجمع والتّرجيح وشواهد الجرح والتعديل مقام القطع بها ، فلا يعبأ بمطلق الظّن في طريق الوصول كما في قول الرّاوي : أظنّ أنّ الإمام عليهالسلام قال كذا ، أو فعل كذا ، أو أنّ فلانا روى عنه كذا ، أو نحو ذلك ممّا وقع فيه الالتباس في الأصل ؛ من جهة نفس الصّدور ، أو ما صدر أو من صدر منه وإن حصل الظّنّ للرّاوي أو لغيره اعتمادا على ظنّه. فكيف يوجب العمل بالظّن بقول مطلق ويجعل طريقا مستقلاّ لمعرفة الأحكام؟
مع أن الأخبار المتواترة التي عليها مدار عمل الشّيعة إلى ظهور الخلف الحجّة عليهالسلام صريحة الدّلالة على أنّ المدرك ـ بعد دليل العقل القاطع الّذي لا يزول ولا يختلف باختلاف الأزمنة والدّهور وبه تعرف الضّرورة والنّظر حجّة كلّ متعوّل وحقيقة كلّ مأثور ـ منحصر في الكتاب الّذي هو كلام الله اللّفظي المسموع المعروف ، والسّنة النّبوية صلىاللهعليهوآلهوسلم والإماميّة (١) الّتي هي القول المسموع من
__________________
(١) أي والسنة الإماميّة أي ما صدر عن الأئمة الأطهار « صلوات الله عليهم أجمعين » من قول أو فعل أو تقرير كما يذكره قريبا.