فإذا لم يمكن التّبين في النّبأ المنفي عن الفاسق فلا يعقل أن يكون للقضيّة مفهوم ودلالة مرادة للمتكلّم ؛ ضرورة كون انتفاء المحمول عن الموضوع الغير الموجود من جهة استحالة الوجود لا من جهة دلالة اللّفظ ، وإنشاء المتكلّم لنفيه إمّا من جهة الدّلالة الوضعيّة أو الإطلاقيّة الانصرافية أو العقليّة الرّاجعة إلى لزوم اللّغويّة والخلوّ عن الفائدة. فلا بدّ أن يكون الغرض من ذكر الشّرط في أمثال المقام الإشارة والدّلالة على اختصاص الجزاء موضوعا بصورة وجود الشّرط وهذا غير عزيز كما في الأمثلة المذكورة في « الكتاب ».
فلو قيل : إنّ قوله تعالى : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) (١) الآية يدلّ بالمفهوم على نفي وجوب الاستماع عن قراءة الحديث ؛ حيث إنّ عدم قراءة القرآن يشمل قراءة الحديث كان حقيقا بالإعراض وعدم الاستماع ، وهكذا الأمر في نظائره هذا.
مع أنّ الأخذ بإطلاق المفهوم والحكم بدلالة الآية على عدم وجوب التّبين في خبر العادل لا معنى له من جهة أخرى ؛ فإنّ حمل الآية على ما ذكر يوجب الحكم بأنّ مدلول الآية نفي وجوب التّبيّن بالدّلالة اللّفظيّة عمّا لم يكن هناك نبأ أصلا لا من الفاسق ولا من العادل ، كما أنّ مدلولها نفيه عن نبأ العادل. ومن المعلوم ضرورة أنّ نفي وجوب التّبين شرعا إنّما يتصور في مورد إمكان ثبوته. وكيف يمكن ثبوته فيما لم يكن هناك نبأ أصلا؟
وممّا ذكرنا كلّه يظهر فساد ما قيل في الجواب عن الاعتراض المذكور : من أنّ مفهوم الشّرط وإن لم يكن مجيء العادل بالنّبأ إلاّ أنّه بإطلاقه يشمله ، وهكذا ما
__________________
(١) الاعراف : ٢٠٤.