واردا على الحكم العقلي ورافعا لموضوع حكمه حقيقة.
فإذا فرضنا في المقام ـ كما هو المفروض ـ عدم قيام دليل من الخارج على حجيّة الظّن بالوجوب والتحريم بل أريد إثبات حجيّته بنفس حكم العقل من حيث كون الظّن بهما ظنّا بالضّرر الأخروي فهو إنّما يتمّ فيما إذا كان الظّن بهما ظنّا به مع قطع النّظر عن حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون وإلا لدار ، فلا يتمّ القياس والاستدلال.
والمفروض أنّ الحاكم باستحقاق العقاب على مخالفة المولى العقل ، فلا يعقل أن يتبع حكمه المخالفة الواقعيّة التّابعة للطّلب الحتمي النّفس الأمري ، بل إنّما يتبع تبيّن الطّلب وقيام الدّليل عليه عند المكلّف ولو في مرحلة الظّاهر إلاّ فيما لا يعذر فيه الجاهل من جهة جهله مع التّقصير ؛ حيث أنّ نفس احتمال الحكم الإلزامي يكفي في تنجزّه في حقّه كما هو واضح. وهذا معنى ما ذكرنا من لحوق حكم العقل للموضوع الوجداني لا النّفس الأمريّ.
ومن هنا ذكر شيخنا قدسسره في مطاوي كلماته الشّريفة : أنّ حكم العقل بالاستحقاق يتبع المعصية الّتي هي من الأمور الوجدانيّة لا المخالفة الواقعيّة للخطاب الشّرعي النّفس الأمري ، فإذن لا يحتاج في إبطال جعل حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون الأخروي دليلا على حجيّة الظّن بالوجوب والتحريم إلى ملاحظة ورود دليل البراءة على هذه القاعدة العقليّة ، بل نفس القاعدة غير جارية إذا فرض استحالة جعلها موجبة للصّغرى وهو الظّن بالضّرر والعقاب حسبما عرفت.