__________________
وفي مدارك الأحكام ، ج ٦ ، ص ١٠ : « اورد هنا سؤال مشهور ، وهو أنّ كلّ الأعمال الصالحة لله ، فما وجه تخصيص الصوم بأنّه له ـ تبارك وتعالى ـ دون غيره؟
وأُجيب بوجوه :
الأوّل : أنّه اختصّ بترك الشهوات والملاذّ في الفرج والبطن ، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف.
وعورض بالجهاد ؛ فإنّ فيه ترك الحياة فضلاً عن الشهوات ، وبالحجّ ؛ إذ فيه الإحرام ومحظوراته كثيرة.
الثاني : أنّ الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بوساطة ضعف القوى الشهويّة بسبب الجوع ... وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربّانيّة التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانيّة.
وردّ بأنّ سائر العبادات إذا واظب عليها المكلّف أورثت ذلك ، خصوصاً الصلاة ....
الثالث : أنّ الصوم أمر خفيّ لا يمكن الاطّلاع عليه ، فلذلك شرّف ؛ بخلاف الصلاة والحجّ والجهاد وغيرها من الأعمال.
وعورض بأنّ الإيمان والإخلاص وأفعال القلب خفيّة ، مع أنّ الحديث متناول لها. ويمكن دفعه بتخصيص الأعمال بأفعال الجوارح ؛ لأنّها المتبادرة من اللفظ.
وقال بعض المحقّقين : هب أنّ كلاًّ من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر ، فلِمَ لا يكون مجموعها هو الفارق؟ فإنّ هذه الامور لا تجتمع في غير الصوم ».
وفي الوافي : « إنّما خصّ الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنّه جازٍ به مع اشتراك الكلّ في ذلك ؛ لكونه خالصاً له ، وجزاؤه من عنده خاصّة من غير مشاركة أحد فيه ؛ لكونه مستوراً عن أعين الناس مصوناً عن ثنائهم عليه ».
ونقل العلاّمة المجلسي في مرآة العقول وجهاً آخر بقوله : « وقيل : فيه وجه رابع ، وهو أنّ الاستغناء من الطعام صفة الله تعالى ؛ فإنّه يطعم ولا يطعم ، فكأنّه يقول : إنّ الصائم يتقرّب بأمر هو صفة من صفاتي ».
وقال ابن الأثير في النهاية ، ج ١ ، ص ٢٧٠ : « وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أنّ جميع العبادات التي يتقرّب بها العباد إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ من صلاة وحجّ وصدقة واعتكاف وتبتّل ودعاء وقربان وهدى وغير ذلك من أنواع العبادات ، قد عبد المشركون بها آلهتهم ، وما كانوا يتّخذونه من دون الله أنداداً ، ولم يسمع أنّ طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم ولا تقرّبت إليها به ، ولا عُرف الصوم في العبادات إلاّمن جهة الشرائع ، فلذلك قال الله عزّ وجلّ : الصوم لي وأنا أجزي به ، أي لم يشاركنى أحد فيه ، ولا عبد به غيري ، فأنا حينئذٍ أجزي به وأتولّي الجزاء عليه بنفسي ، لا أكله إلى أحد من ملك مقرّب أو غيره على قدر اختصاصه بي ».
ونقل في المرآة في توجيه اختصاص الجزاء به تعالى وجهاً ، وهو أنّ معناه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب ؛ لأنّ الكريم إذا أخبر أنّه يتولّى بنفسه الجزاء ، اقتضى أن يكون بحسب عظمته وسعته ، ثمّ قال : « أقول :