.................................................................................................
______________________________________________________
أقول : يقع الكلام في الاستطاعة تارة من حيث المبدأ وأُخرى من حيث المنتهي.
أمّا من حيث المبدأ فلا تعتبر الاستطاعة من بلد خاص ، بل المعتبر حصولها من أي بلد كان ، فلو سافر العراقي إلى المدينة واستطاع فيها وجب عليه الحج وإن لم يكن مستطيعاً في بلده ، إذ لم يدل أي دليل على اعتبار الاستطاعة من بلد خاص.
وأمّا من حيث المنتهي والعود إلى بلاده فإن فرضنا أنه أقام سنتين في مكّة واستطاع وأراد الرجوع والعود إلى بلده ، ولكن لو صرف المال في أعمال الحج ومقدّماته من الذهاب إلى عرفات والعود إلى مكّة لا يتمكّن من العود إلى بلده فحينئذ يقع الكلام في أنه هل يعتبر القدرة على العود إلى بلاده في حصول الاستطاعة أم لا؟.
ولا يخفى أنه لم يتعرض في شيء من الروايات إلى ذلك أصلاً ، وإنما ذلك أمر عرفي مأخوذ في الاستطاعة حسب المتفاهم العرفي المستفاد من القدرة على السفر إلى بلد من البلدان ، فلو قيل : إن شخصاً قادر على السفر إلى كربلاء لزيارة الحسين (عليه السلام) يفهم العرف منه أنه قادر على الذهاب والإياب ، وأمّا من كان قادراً على الذهاب فقط فلا يصدق عليه أنه قادر على ذلك السفر ، فالقدرة على الذهاب والإياب مأخوذة في الاستطاعة بحسب الفهم العرفي المرتكز في الأذهان ، ومجرّد القدرة على الذهاب لا يكفي في صدق الاستطاعة.
وهل يكفي تمكنه من الرجوع إلى محل إقامته وهو مكّة أو يعتبر قدرته على العود إلى بلاده؟. أمّا إذا كان غير عازم على العود إلى بلاده فلا كلام ، وأمّا لو كان عازماً على العود ولا يكفي ماله للعود بحيث لو صرفه في الحج لا يتمكن من العود فمقتضى كلام المصنف وجوب الحج عليه وأن حاله حال أهالي مكّة ، ومقتضى كلام صاحب الجواهر عدم وجوب الحج عليه لاعتبار تمكّنه من العود إلى بلده.
والصحيح ما ذهب إليه في الجواهر ، لأنّ أقصى ما يدل عليه النص هو الانقلاب في فرض الحج لا الانقلاب في الشروط ، وتنزيله منزلة أهالي مكّة إنما هو بلحاظ نفس الأعمال والأفعال لا الشروط ، والانقلاب في الحج لا يوجب الانقلاب في الشروط المعتبرة.