.................................................................................................
______________________________________________________
والوضوء اخرى ، فيؤمر بالمتولد تارة وبالمتولد منه أُخرى أي بالسبب وبالمسبب كما في قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١) وقال تعالى أيضاً (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٢) وهكذا المقام فقد أُمر بالتلبية تارة وبالإحرام اخرى فهما في الحقيقة شيء واحد وليسا وجودين منحازين وتكليفين ، بل أحدهما متولد من الآخر ، والأمر بأحدهما أمر بالآخر ، هذا ما استفدناه من الروايات ، فإذا كان الإحرام عبارة عن التلبية أو عن المسبب منها فالعزم على ترك المحرمات خارج عن حقيقة الإحرام ، وإنما هي أحكام مترتبة على الإحرام لا أنها نفس الإحرام ، فلا يضر ارتكابها في الخارج في عقد الإحرام فضلاً عن العزم عليها ، فإذا لم يكن نفس ارتكاب الفعل المحرم مضراً فكيف بالعزم عليه.
إنما الإشكال فيما ذكره المصنف (قدس سره) من أن المعتبر العزم على تركها مستمرّاً ، يعني لا بدّ أن يكون عازماً على التروك في أوّل إحرامه ، فلو لم يعزم من الأوّل بطل إحرامه.
وأنت بعد ما أحطت خبراً على ما ذكرنا تعرف أنه لا دليل على اعتبار ذلك أيضاً لأنّ الإحرام إنما هو عبارة عن التلبية الموجبة للدخول في الحرمة أو عمّا يترتّب على التلبية ، فلا يضر عدم العزم من الأوّل على استمرار الترك ، فإنّ هذه التروك أحكام شرعيّة مترتبة على الإحرام وليست دخيلة في حقيقته ، كما صرّح المصنف (قدس سره) بذلك في لبس الثوبين ، وذكر أنه ليس دخيلاً في حقيقة الإحرام وإنما هو واجب تعبدي ، ولذا يصح إحرامه إذا أحرم في المخيط ، فإن القدر الثابت في الإحرام أن يكون إحرامه صادراً على وجه القربة ، والمفروض أنه حاصل ، والعزم على إتيان المحرمات لا يضر بإحرامه لخروج العزم على الترك عن حقيقة الإحرام.
نعم ، لو كان ارتكاب بعض هذه الأُمور موجباً لبطلان الإحرام كالجماع والاستمناء وكان عازماً على ارتكابه من الأوّل بطل إحرامه ، لا لأجل أن الإحرام
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) النساء ٤ : ٤٣.