يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (١). وذكر الفصال هاهنا لما تلحق الأمّ من المشقّة به أيضا ، فليكن الاهتمام بالإحسان والبرّ في حقّها أكثر من حقّ الأب. ومن ثمّ قال عليهالسلام ـ لمن قال له : من أبرّ؟ ـ : أمّك ، ثمّ أمّك ، ثمّ أمّك. ثمّ قال بعد ذلك : ثمّ أباك.
(أَنِ اشْكُرْ لِي) على نعمائي بالحمد والطاعة (وَلِوالِدَيْكَ) بالبرّ والصلة.
و «أن» تفسير لـ «وصّينا» ، أو علّة له ، أو بدل من «والديه» بدل الاشتمال. (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فأحاسبك على شكرك وكفرك.
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) باستحقاقه الإشراك تقليدا لهما. وقيل : أراد بنفي العلم به نفيه ، أي : لا تشرك بي ما ليس بشيء. يريد الأصنام ، كقوله : (ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٢). (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) صحابا معروفا حسنا ، يرتضيه الشرع ، ويقتضيه الكرم والمروءة ، من خلق جميل وحلم واحتمال مكروه وبرّ وصلة ، وغير ذلك.
(وَاتَّبِعْ) في الدين (سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) بالتوحيد والإخلاص في الطاعة.
وهو النبيّ ومتابعيه من المؤمنين. ولا تتّبع سبيلهما في الكفر ، وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا مراعاة لحقّ الأبوّة والأمومة ، وتعظيما لهما ، وما لهما من المواجب الّتي لا يسوغ الإخلال بها.
ثمّ بيّن حكمهما في الآخرة فقال : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) مرجعك ومرجعهما (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بأن أجازيك على إيمانك ، وأجازيهما على كفرهما.
والآيتان معترضتان في تضاعيف وصيّة لقمان ، تأكيدا لما فيهما من النهي عن الشرك ، كأنّه قال : وقد وصّينا بمثل ما وصّى به. وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك ، فإنّهما مع أنّهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة ، لا يجوز أن يستحقّاه في
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣.
(٢) العنكبوت : ٤٢.