ثمّ بيّن جزاءه بقوله : (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) وهو أشدّ البغض ، بحيث لا يكون وراءه خزي وصغار. ومنه قيل لمن ينكح امرأة أبيه : مقتي ، لكونه ممقوتا في كلّ قلب.
(وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) أي : خسار الآخرة وهلاكها. والتكرير للدلالة على أنّ اقتضاء الكفر لكلّ واحد من الأمرين ، مستقلّ باقتضاء قبحه ووجوب التجنّب عنه.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني : آلهتهم. والإضافة إليهم لأنّهم جعلوهم شركاء لله ، أو لأنفسهم فيما يملكونه. (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) بدل من «أرأيتم» بدل الاشتمال ، لأنّه بمعنى : أخبروني. كأنّه قال : أخبروني عن هؤلاء الشركاء ، وعمّا استحقّوا به الإلهيّة والشركة ، أروني أيّ جزء من الأرض استبدّوا بخلقه دون الله؟
(أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أم لهم شركة مع الله في خلق السّماوات ، فاستحقّوا بذلك شركة في الألوهيّة ذاتيّة؟ (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) ينطق على أنّا اتّخذناهم شركاء (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) على حجّة واضحة من ذلك الكتاب ، بأنّ لهم استحقاق شركة لنا. وجميع ذلك محال ، لا يمكنهم إقامة حجّة ولا شبهة على شيء منه.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر : بيّنات. فيكون إيماء إلى أنّ الشرك خطير لا بدّ فيه من تعاضد الدلائل.
ولمّا قرّر نفي أنواع الحجج في ذلك ، أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه بقوله : (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) يعني : ما حملهم على اتّخاذ الشركاء إلّا تغرير الأسلاف الأخلاف ، أو الرؤساء الأتباع ، بأنّهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرّب إليه ، حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله.