فقال إبراهيم : نعم العون أنت يا بنيّ على أمر الله. ثمّ أقبل عليه يقبّله وقد ربطه ، وهما يبكيان. ثمّ وضع السكّين على حلقه فلم تعمل ، لأنّ الله ضرب صفحة نحاس على حلقه.
فقال له : كبّني على وجهي ، فإنّك إذا نظرت في وجهي رحمتني ، وأدركتك رقّة تحول بينك وبين أمر الله.
ففعل. ثمّ وضع السكّين على قفاه فانقلب السكّين ، ونودي من ميسر مسجد الخيف : (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فنظر فإذا جبرئيل معه كبش (١) أقرن أملح ، فكبّر جبرئيل. وكان يمشي في سواد ، وينظر في سواد ، ويبعر ويبول في سواد. فذبحه إبراهيم في منى بحيال الجمرة الوسطى ، وتصدّق بلحمه على المساكين.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) الثناء الجميل (فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) سبق تفسيره في قصّة نوح (٢) (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يحتمل أنّه طرح عنه «إنّا» اكتفاء بذكره في هذه القصّة (٣) (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : مقضيّا نبوّته ، مقدّرا كونه من الصالحين. وبهذا التفسير وقعا حالين. ولا حاجة إلى وجود المبشّر به وقت البشارة ، فإنّ وجود ذي الحال غير شرط ، بل الشرط مقارنة تعلّق الفعل بذي الحال ، لاعتبار المعنى بالحال. فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما ، مثل : وبشّرناه بوجود إسحاق ، أي : بأن يوجد إسحاق نبيّا من الصالحين ، كما قال صاحب الكشّاف (٤). ومع ذلك لا يصير نظير قوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٥) فإن الداخلين مقدّرون خلودهم وقت دخولهم ،
__________________
(١) الكبش : الخروف إذا دخل في السنة الثانية أو الرابعة. والأقرن : ماله قرنان. ويقال : كبش أملح : إذا كان أسود يعلو شعره بياض.
(٢) راجع ص ٥٨٨.
(٣) الصافّات : ١٠٥.
(٤) الكشّاف ٤ : ٥٩.
(٥) الزمر : ٧٣.