وما ترى من الحكم بالصحّة فيما شكّ في صدور الأمر به على تقدير صدوره ـ كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر ، وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط ـ فلا يشبه ما نحن فيه ، لأنّ الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو ، فهو أقصى ما يمكن هناك من الامتثال ، بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فإنّ امتثاله لا يكون إلّا بإتيان ما يعلم مطابقته له ، وإتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته لا يعدّ له إطاعة عرفا.
وبالجملة ، فقصد التقرب شرط في صحّة العبادة إجماعا نصّا وفتوى ، وهو لا يتحقّق مع الشّك في كون العمل مقرّبا.
وأمّا قصد التقرّب في الموارد المذكورة من الاحتياط فهو غير ممكن على وجه الجزم ، والجزم فيه غير معتبر إجماعا ، إذ لولاه ، لم يتحقّق احتياط في كثير من الموارد مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا (١). انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول : لو لا استدلاله ـ قدسسره ـ بالدليل الذي ذكره ، لكان للمتوهّم أن يتوهّم استناد القائلين باعتبار الجزم إلى دليل تعبّدي شرعيّ ، فاستدلاله بالدليل المذكور يوهن الاستدلال بنقله عدم الخلاف في المسألة ظاهرا لو قلنا بحجّيّة مثله في الأحكام الشرعية ، لأنّه بعد ظهور المستند لا وجه للتشبّث بالإجماع المحصّل ، فضلا عن نقل عدم ظهور الخلاف ، بل لا بدّ على هذا التقدير من التأمّل في المستند ، فإن تمّ فهو ، وإلّا فلا.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٥١٩.