لهذا الأمر المقدّمي الذي نوى امتثاله ، فلا محيص عن الحكم بالفساد في جميع صور المسألة ، لأنّ الأمر في الجميع مردّد بين أن لا يكون أمر واقعي أو كان ولم يقصد إطاعته.
لا يقال : إنّ مقتضى بعض الأجوبة المتقدّمة في التفصّي عن إشكال الدور ـ وهو : كون قصد القربة وامتثال الأمر كاشفا عن وقوع المقدّمة على صفاتها المأخوذة في قوام ذاتها ، لا كونه بنفسه قيدا حتى يلزم الدور ـ هو أيضا صحّة الوضوء في جميع الصور ، بل لو لم يقصد امتثال الأمر المتوجّه إلى نفسه أصلا ، كما لو نوى بفعله إيجاد الماهيّة التي هي مقدّمة لطواف بيت الله الحرام ، أو إيجاد ما هو مقدّمة على تقدير وجوبها ، أو ما وجب على زيد مقدّمة لصلاته الواجبة ، إذ كما تتعيّن الماهيّة المأمور بها بملاحظة الأمر المنجّز في حقّه ، كذلك يمكن تشخيصها إجمالا بهذه الوجوه أيضا.
لأنّا نقول : بعد قيام الإجماع والضرورة على اعتبار قصد القربة في صحّة الوضوء ليس لمتكلّم أن يتفوّه بهذا الكلام ، لأنّ غاية ما ارتكبناه في المقام أنّا بعد أن علمنا باستحالة كون إطاعة الأمر المقدّمي من مقوّمات ماهيّة المقدّمة ، وفرضنا عدم تعلّق أمر آخر بها سوى هذا الأمر المقدّمي ، التزمنا بأنّ قصد القربة والإطاعة كاشف عن تحقّق الماهيّة على وجه اعتبرها الشارع مقدّمة ، فلا بدّ لنا حينئذ من أن نلتزم بأنّ القيود المعتبرة في الماهيّة عند الشارع على نحو لا يمكن إحرازها إلّا بمعرفتها تفصيلا ، وهو متعذّر في حقّنا أو بإيجادها بداعي امتثال أمر منجّز.