ولعلّ ما ذكرناه في تفسير الاستدامة ، الذي مرجعه إلى اعتبار انبعاث الفعل عن الأمر المركوز في الذهن ، الذي نسميه بالداعي ، ونلتزم بأنّه هو النيّة ، هو : لبّ مراد جميع العلماء القائلين باعتبار الاستدامة ، ومجمع شتات عبائرهم المختلفة في تفسيرها ، واختلاف تفاسيرهم نشأ من اختلاف أنظارهم في آثارها ، وقد تصدّى لتأويل كلماتهم بما يرجع إلى ما ذكرناه شيخنا المرتضى ـ رحمهالله ـ في طهارته ، فراجع (١).
وكيف كان ، فلا شبهة في اعتبار استدامة النيّة بالمعنى المذكور ، لتوقّف صدق الإطاعة عليها عقلا وعرفا.
وأمّا كفايتها وعدم الحاجة إلى اعتبار أمر زائد عليها : فلعدم توقّف الإطاعة إلّا عليها ، كما عرفت فيما سبق ، فالبحث مع المشهور إنّما هو في اعتبار الزائد على ذلك في أوّل العمل ، وهلّا جعلوا النيّة الفعليّة هي التي سمّوها بالحكميّة ، لا في اعتبار ذلك.
وقد يستدلّ لكفاية هذا المقدار في أجزاء العمل وعدم اعتبار الإرادة الفعليّة : بتعذّرها أو تعسّرها حيث إنّ الله تعالى لم يجعل لرجل في جوفه من قلبين ، فما دام مشغولا بالأجزاء ربما يغفل عن ذلك ، والتكليف بوجوب استدامته فعلا تكليف بما لا يطاق ، إلّا أنّه لمّا تعذّرت الفعليّة وجبت الحكميّة ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.
وفيه ما لا يخفى من الضعف ، فالوجه ما ذكرنا.
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٩٩ ـ ١٠٠.