والعجب ممّن (١) ارتضى هذا الكلام ، وطعن على علمائنا الأعلام ، وغفل عن أنّ تخطئة العلماء في مثل هذه الأمور خطأ ، إذ ليس ما ذكره معنى غامضا يختفي على العلماء تعقّله ، فعدم التفاتهم إلى هذا المعنى يكشف عن عدم ظهور الرواية فيه ، وأنّ من يري ظهورها فيه فإنّما هو لشبهة مغروسة في ذهنه ، كالأنس بالقواعد الهندسيّة أو غيره ، وعلى تقدير كونه معنى دقيقا لم تنله أذهان العلماء ينبغي الجزم بعدم إرادته من الرواية الواردة في تحديد الوجه ، الملحوظ فيها فهم العرف ، كما هو الأصل في أخبارهم عليهمالسلام.
ولا يشكل ظاهر الرواية بدخول النزعتين ـ وهما البياضان المكتنفان بالناصية ـ في المحدود مع خروجهما إجماعا ، لأنّ المراد بالقصاص في الرواية منتهى منبت الشعر من مقدّم الرّأس وهو الناصية ، فلا يعمّ النزعتين ، كما أنّه لا يتوجّه الإشكال بدخولهما على تفسير المشهور ، لأنّ الإصبعين إذا كان مبدأ فتحهما من الناصية لا تتعدّيان الجبهة والجبينين غالبا.
هذا ، مع أنّ شمول الحدّ لهما غير ضائر بعد العلم بخروجهما من الوجه عرفا ، لما أشرنا إليه من أنّ التحديد الوارد في الشرع إنّما الملحوظ فيه بيان الحدود المشتبهة ، ولا شبهة عند أهل العرف في أنّ النزعتين من الرأس لا من الوجه ، فلا ينصرف إليهما الحدّ.
وكذا لا يتوجّه الإشكال على التفسير الأوّل : باستلزامه دخول بعض
__________________
(١) انظر : الوافي ٦ : ٢٧٨ ذيل الحديث رقم ٤٢٨٧.