العنق في المحدود حيث إنّ الإصبعين تحيطان به حال محاذاة الكفّ للذقن ، لما ذكرنا من أنّ وضوح حاله دليل على عدم كونه مرادا من الرواية.
ثمّ إنّ العلماء رضوان الله عليهم ـ بعد إطباقهم على وجوب غسل ما يحيط به الإصبعان وعدم وجوب غسل ما لا تحيطان به ـ اختلفوا في وجوب غسل بعض المواضع ، ومنشؤه إمّا الاختلاف في تشخيص موضوعه ، أو النزاع في أنّه هل يحيط به الإصبعان أم لا؟ ولا يهمّنا التعرّض لتحقيقه بعد أن كان المناط إحاطة الإصبعين.
فنقول : كلّ ما يحيط به الإصبعان يجب غسله ، وما لا يحيط به الإصبعان لا يجب غسله ، سواء سمّي بالعذار أم لا.
نعم ، يجب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة من الحدود بحكم العقل ، مقدّمة لحصول الواجب ، وكذا للعلم بحصوله ، والله العالم.
ولا يخفى عليك ـ خصوصا بعد ما عرفت من أنّ الوجه الذي أمر الله تعالى بغسله هو : العضو المعروف ، وليس للشارع فيه اصطلاح جديد ـ أنّ التحديد الوارد في الأخبار وفي كلمات علمائنا الأخيار إنّما أريد به تعيين حدود وجوه المكلّفين الذين أمرهم الله تعالى بغسلها ، ولا ريب أنّ وجوه المكلّفين مختلفة بحسب المسافة ، فلا يعقل أن يكون مقدار خاصّ معرّفا لجميع الوجوه ، ولذا لا ينسبق إلى الذهن حال استماع هذه التحديدات إلّا كون وجه كلّ مكلّف موضوعا برأسه ملحوظا بالنسبة إليه إصبعاه ، ولا يلتفت الذهن إلى كون إصبعي غيره مميّزا لحدود وجهه ،