وما في بعض الروايات من أنّ العورة ما بين السرّة والركبة (١) محمول على الاستحباب.
ولا يخفى عليك أنّ وجوب التستّر في هذا الباب إنّما هو للحفظ عن الناظرين ، فيسقط الأمر بالتستّر بكلّ ما يحصل به الغرض ولو كان بوضع اليد أو باستتاره في مكان مظلم لا يرى عورته ، أو الاختفاء في حفيرة ، أو الارتماس في الماء ، أو البعد المفرط المانع من الرؤية ، إلى غير ذلك من أنحاء الحفظ ، وهذا بخلاف باب الصلاة ، فإنّ التستّر في حدّ ذاته شرط لصحّة الصلاة ، فلا بدّ فيه من مراعاة منصرف الأدلّة.
والواجب من الستر ما يحصل به مسمّاه بحيث لا يعدّ في العرف مكشوف العورة ، فلا بأس بالتفافها بساتر ملتصق بها حاكيا لحجمها على ما هي عليه ، ولا بالساتر الرقيق الذي يحكي شكل العورة من ورائه لو لم يكن من الرقّة وسعة منافذه على وجه لا يعدّ في العرف حاجبا لما وراءه ، ولا اعتبار بالدقّة العقلية ، كما في غيره من الأحكام الشرعية ، وإنّها المدار على الصدق العرفي.
ودعوى انصراف ما دلّ على وجوب الحفظ عن مثل الخرقة الملفوفة بالبشرة حاكية لحجم العورة ، غير مسموعة.
ثم إنّ وجوب الحفظ على المكلّف موقوف على علمه بوجود الناظر بالفعل أو بتجدّده حال كونه مكشوف العورة ، كما لو دخل بلا مئزر
__________________
(١) قرب الإسناد : ١٠٣ ـ ٣٤٥ ، دعائم الإسلام ١ : ١٠٣ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٤ من أبواب آداب الحمّام ، الحديث ٣.