وأمّا لو لم يحرز تعدّد السبب واحتمل كون المنيّ المشاهد من الجنابة السابقة ، فلا يتحقّق ركن الاستصحاب ، أعني اليقين السابق ، حيث لم يعلم لخروج هذا المني واقع مغاير للخروج الذي علم بزوال أثره ، فلم يثبت لديه جنابة غير ما علم زوالها حتى يستصحبها ، فأصالة عدم حدوث جنابة أخرى في هذا الفرض حاكمة على استصحاب التكليف وقاعدة الاشتغال ، لأنّ الشكّ في بقاء التكليف مسبّب عن احتماله ، وأمّا على تقدير العلم بتعدّد السبب فجنابته عند السبب الثاني معلومة ، وارتفاعها غير معلوم ، فليستصحب.
وليس في هذا الفرض أصل حاكم على استصحاب الحدث ، لما عرفت فيما سبق من أنّ الشكّ في بقاء التكليف في هذه الصورة مسبّب عن الجهل بتأريخ الغسل ، ولا يمكن تعيينه بالأصل ، وقد تقدّم شطر من الكلام فيما يتعلّق بالمقام في فروع الشبهة المحصورة في مبحث ما لو اشتبه الإناء الطاهر بالنجس ، فراجع ، ولقد أطلنا الكلام في النقض والإبرام ، لكون المقام من مزالّ الأقدام ، والله مقيل العثرات.
وقد حكي عن العلّامة في بعض كتبه قول ثالث في المسألة ، وهو الأخذ بالحالة السابقة على الحالتين (١). وهو بظاهره كما تراه.
ولكنّ الظاهر ـ على ما صرّح به بعض مشايخنا قدس سرّه ـ بعد التأمّل
__________________
(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٥٩ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣١١ ، المسألة ٦١.