الفارق ، فانّ الثاني يروي عن المعصوم ويسنده إليه ، فيدخل في باب السنّة المحكية بواسطة الثقة ، بخلاف سنّة الصحابي ، فهي مرددة بين النقل عن المعصوم ، والاستنباط عن الكتاب والسنّة ، ومع هذا التردد كيف يجوز للمجتهد أن يأخذ بها ، إذ لو كانت رأي الصحابي لا يكون حجّة عليه.
على أنّك قد عرفت أنّ الأصل في الظن هو عدم الحجّية ، والشكّ فيها يساوق القطع بعدمها ، فكيف يُؤخذ بهذا الظن مع عدم قياس دالّ عليه.
الدليل الرابع : ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبّتهم وذم من أبغضهم ، وانّ من أحبّهم فقد أحبّ النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام ، وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط ، إذ لا مزية في ذلك ، وإنّما هو لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنّته ، مع حمايته ونصرته ، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يتّخذ قدوة ، وتجعل سيرته قبلة ، ولما بالغ مالك في هذا المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستنّ بسنّتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك ، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله ، ببركة اتّباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة أو من اتّبعهم ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (١)
يلاحظ عليه : أنّ هذا الدليل ، كسابقه ضعيف غايته : إذ مع غض النظر عمّا في أسانيد هذه الروايات انّ أقصى ما يدلّ عليه ، هو تكريمهم وحرمة بغضهم ، لأنّهم رأوا نور الوحي ، وعاشوا معه في السراء والضرّاء ، في الحرب والسلم ، والشدة والرخاء ، وأين هذا من حجّية آرائهم ومذاهبهم واجتهاداتهم ، كمشرِّع يؤخذ بتشريعاته؟!
__________________
(١) المجادلة : ٢٢.