وأما الجر فعلى أنّك مررت بالقوم كلهم ، ولا ينقض هذا أن يكون معهم غيرهم ، لأنّه إذا كان معهم غيرهم صحّ أن تقول : «مررت بالثلاثة كلّهم» ، ولا يكون الكلام كذبا ، فلهذا فرّق النحويون بين النصب والجر.
وتعرض في هذا الباب مسألة مشكلة ، وهي أنّ النحويين اتفقوا على أن قولك : «مررت بالقوم ثلاثتهم» ، تأكيد ، ولا يحفظ عنهم خلاف في ذلك. ويسبق إلى الخاطر جواز البدل أكثر من سبق التأكيد. فالذي حملهم على هذا ـ والله أعلم ـ أنّه يقال في معنى أنّ القوم ثلاثة.
وكذلك إذا قلت : «مررت بالقوم أربعتهم» ، فالمعنى أنّ القوم أربعة. فإذا ثبت هذا ، فاعلم أنّه إذا قلنا : فيه بدل ، فإنّه يكون إذ ذاك بدل شيء من شيء.
فإذا قلت : «مررت بالقوم ثلاثتهم» ، فالضمير المتصل في «الثلاثة» هو القوم ، والثلاثة هم القوم ، فيكون فيه إضافة الشيء إلى نفسه.
فإن قيل : وكذلك يلزم في التأكيد ، فالجواب : إنّ ذلك محتمل في التأكيد لأنّه في معنى «كلّهم». وقد اشتهر في «كل» إضافتها إلى ما هو هي ، فيقولون : «كلّ القوم» لأنّها محمولة على «بعض» وهي نقيضتها ، فكما يقال «بعضهم» ، فكذلك يقال : «كلّهم».
فإذا قلت : «ضربت زيدا وحده» ، ففيه خلاف. فسيبويه ، رحمهالله ، لا يجعله حالا إلّا من الفاعل ، أي : أفردته بالضرب ، فكأنّك مفرد له ، وأبو العباس يجيز أن يكون حالا من المفعول ، فإذا قلت : «ضربت زيدا وحده» ، فمعناه : ضربت زيدا في حال أنّه مفرد بالضرب.
ومذهب سيبويه أولى ، لأنّ وضع المصادر موضع اسم الفاعل أكثر من وضعها موضع المفعول.
ولا يجوز في «وحده» الجرّ إلّا ما شذّ ، ولا يقاس عليه ، وهو : «عوير وحده» (١) ، و «جحيش وحده» ، و «نسيج وحده».
__________________
(١) العوير : مصغّر «عير» ، وهو حمار الوحش ، والحمار الأليف ، والعبارة تقال في ذمّ الرجل المعجب برأيه لا يخالط أحدا في رأي ، ومثله «جحيش وحده».