الطعن والضرب وصار الناس في الازدحام ، ثم انحدر النصارى لناحية خنق النّطاح ، والمسلمون في أثرهم يريدون نيل النجاح ، فمات من جيش المسلمين في الصدمة الأولى أربعة من الأعيان ، أحدهم السيد أحمد ولد سيدي محمد سعيد المختاري بالاتقان ، فتقدّم له عمّه الأمير ، حمله من بين الصفوف رغما على أنف النصارى وهو في الغيظ الكبير ، ثم تبارز الأمير بعد ذلك مع أحد النصارى فضربه النصراني بحربته ليده اليسرى بوسط راحتها ولم تحصل للأمير منها رعبة ولا حيارى ، فجذبها قرنه وهم بضربه بها ثانيا ، فاختطفها الأمير فورا من يده وجاء بها لجيشه ساريا ، وهو على فرسه الأزرق ، بعد ما قتل قرنه وترك النصارى في الوجل والفلق ، ودام القتال بين الفريقين والمسلمون في غاية التقدم للقتال ، وليس فيهم متأخر عن الضرب والنّزال / وتمادى الأمير في هجومه إلى أن وصل للحصن يريد الدخول ، ورصاص الدولة يصبّ عليه كأنه المطر وهو تحته لا يشعر به رائما من مولاه الفوز والقبول ، وانفصل القتال بينهما عشية ، ورجع كل لمحله وصارت نية المسلمين خالصة قوية ، وإنما تأخر سيدي محي الدين عن الحضور بهذه الواقعة لأمر عاقه عنها كالصاعقة ، وكانت هذه الملحمة في الحادي والثلاثين من شهر أوت من السنة المسيحية المقررة الموافق لجمادى الأولى من السنة الهجرية المحرّرة (١٨٣).
ثم غزاها المسلمون تحت رئاسة الأمير قبل التولية ، وليس معه الشيخان في القولة الحولية ، واجتمع لهذه الواقعة المخزن وغيره ، وهم سائلون من الله فتحها فلم يتم لهم خيره ، فحصل المصاف بينهما بالكرمة ، وصار القتال العظيم والمدفع يصب على المسلمين كأنّه المطر من برج الفرمة ، ودخل النصارى الرعب العظيم ، مما رأوا من القتال الجسيم ، وكان ذلك في شهر أكتبر (كذا) من المسيحية المسطورة ، المطابق لجمادى الثانية من الهجرية المذكورة (١٨٤).
ثم غزاها الأمير بجميع المخزن والحشم وغيرهم قبل توليته أيضا يرومون
__________________
(١٨٣) يقصد عام ١٨٣٢ الموافق يوم ٤ ربيع الثاني عام ١٢٤٨ ه ، وليس جمادى الأولى.
(١٨٤) يقصد أكتوبر عام ١٨٣٢ م الموافق جمادى الثانية عام ١٢٤٨ ه.