الشهير ، والفراسة والنصيحة والمعرفة والرأي والتدبير ، الذي ليس له بوقته الشبيه ولا المساوي ، محمد المزاري ولد قدور بن إسماعيل الدايري البحثاوي ، ليفتشوا سواحل البحر وأرباض المدينة ، هل خرج جيش العدوّ أو لم يخرج من تلك المدينة ، وواعدهم بالملاقات في الكرمة ، وبها يحصل الفوز بالنعمة والحرمة ، وكان هذا الموضع قريبا من وهران ، على نحو الاثني عشر ميلا وغالب مجيء النصارى معه في السر والإعلان ، فذهبوا من سيق عشية وأخذوا مع طريق الجيرة ، وبات هو في تلك اليلة (كذا) بالوادي المذكور بالمجيرة ، بعساكره وبقية جيشه الخيالة ، ثم ارتحل من الغد بكرة يريد الجرف الأحمر بوادي تليلات بغير الحيّالة ، ومنه يذهب لملاقة وزيره المذكور ، وكان عنده من العسكر نحو الستمائة وذلك مبلغ ما كتبه ومن المطاوعة ما ليس بالمحصور ، فبينما هو ذاهب والعدوّ قابل ، ولا علم لواحد بالآخر للاستعداد حيث يقاتل ، وإذا بالفريقين / التقيا غفلة بالزبوج بموضع يقال له المقيتلة ، من بلاد الغرابة فبانت به المصائب ذات الحوقلة ، واجتمع البعض بالبعض من أهل البلاد ما بين الراجلة والفرسان ، لا سيما الليوث منهم والشجعان وأداروا بالمحلة إدارة السوار بالساعد ، أو الخاتم بالخنصر للصادر والوارد ، وأرادوا أخذها واشتعلت فورا نار الحروب ، وترادفت على الناس من الجانبين الفتن بالصعوبة والكروب ، وصار من الفريقين السيف بالضرب يلمع ، والبندق بباروده يفرقع ، والتقت الرجال بالرجال ، والأبطال بالأبطال ، والفرسان بالفرسان ، والشجعان بالشجعان ، واشتبك الناس البعض بالبعض ، وأراد كل فريق القضاء لما فاته من النفل والفرض ، واشتد الزحام وكثر الاشتباك ، وغاب الحاجز بينهما والفكّاك ، وحين دخلت المحلّة في المواضيع المشعرة ، أقبلت إليها الفرسان من الفجوج المسهلة والموعرة ، وتشجعت وصالت صولا ، واتكبتها (كذا) بالضرب الدائم فعلا وقولا ، ووقعت من الفرقين العين في العين ، وحان فراق الأرواح بالبين ، خشيت من الفرار اللوم بغير المين ، وجدّ عسكر النصارى في المقاومة بالالتزام والمدافعة عن نفسه ومن معه بغاية الاحترام وهو مع ذلك في التعب الشديد ، والعطب الذي ما له من المزيد ، وكمن العرب في الأماكن المغيظة التي تؤذي منها ولا توذا ، ولا يجد العدو لها فيها بضربه نفوذا ، وأهلك الخلق الكثير من الفريقين وحصل العطب الشديد من الجانبين ،