فكم وكم مات منهم بالتصبّر والثبات ، وكم وكم من حصل منهم بعد الهلاك في النجات (كذا) ودام القتال إلى أن قرب ذهاب النهار ، وإقبال اليل (كذا) بما فيه من الاعتكار ، وثبت كل فريق لصاحبه واستقر بمركزه ، إلى أن فنا (كذا) الجلّ من الجيشين بمحرزه ، وتعاظم القتل وعدمت النجات (كذا) ، واختلط من كثرة القتلى الأموات بالأموات ، وكان للخليفة الأعظم ، والوزير الأنجم ، صاحب الإيالة الشرقية للتناجي ، السيد محمد بن أبي شاقور المجاجي ، حملات على العدو ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين ، لا يأتي أحد من غيره بمثلها من غير مين ، ودام على ذلك إلى أن استشهد بالتحقيق ، كما استشهد الفارس الشجاع رايس (كذا) شواش الأمير السيد مصطفى ولد سعيد المعروف بولد حمروش الدنوني ثم النقايبي بالتوفيق.
قال ثم رجع الأمير والجيش الفرانسوي في أثره تابعا له وكل فريق ، يريد منهما النزول بوادي سيق فجاوزه الأمير ونزل ، وقابله العدو بجيشه ونزل ، وصار الوادي بينهما هو الحاجز ، وكل شجاع لقرنه مبارز.
ثم قبل النزول أتى الجيش الذي بعثه الأمير ، لما سمع رعد المدافع وفرقعة البارود خلعهم وهم في غاية التشمير ، فألفى النصارى بقرب وادي سيق ، الذي كاد أن يغص فيه الإنسان بالريق ، وصار القتال بينه وبينهم في فضا سيرات بقية النهار ، إلى أن غشيهم ظلام اليل (كذا) بالاشتهار ، فكم للمزاري في ذلك الوقت من الحملات ، وكم له من الضرب الكثير والجولات ، وهو تارة يغيب في وسط العدو وتارة يظهر ، ومديما على الكرّ ولا يظهر منه المفر ، والعدو بين يديه كأنّه الزرزور ، يقلبه حيث شاء ، ولا يخشى من الرصاص والكور ، وساعده على ذلك رفيقه في الجولان قدور بالمخفي ، فكم له أيضا من ظهور وتخفّي ، ولا زال المزاري على ذلك إلى / أن انجرح به فرسه الأشهب ، فأوتي له بفرس آخر وبقي في ميدان الحرب يكافح إلى أن انجرح به فرسه الثاني الأنجب ، فبعث له الأمير فرسه الأدهم المسمى بباش طبلة ، فجال عليه في الميدان ، جولان عظيما وتمادى على الجولة وهو ملازم للكر ، ومجانب للفر إلى أن انجرح تحته فرس الأمير من الظهر ، كما انجرح هو أيضا عليه من رجله اليمنى ذات الفخر ، فأمر الأمير فورا بقدومه ، وتحيّر منه كثيرا خشية على عدومه ، لاطلاعه يقينا على