ثم قدور الصغير بن إسماعيل البحثاوي ، تولّى آغة وكان طاهرا من سائر المساوي ، ومن خبره أنه كان في ابتداء أمره سيارا والمراد بالسيار هو السفر ، الواسطة بين الباي والباشا صاحب التحرير ، ثم ارتقى قائدا على بني مطهر ، وكانوا خرجوا عن طاعة باي وهران / ولما تولى عليهم هذا الصنديد فرحوا ورجعوا للإذعان ، لما لهم من الرغبة والبخت في تولية البحايثية عليهم ، والسعادة الطالعة لهم إليهم ، أتى بكبرائهم لباي وهران فأكرم مثواهم ، وفرح بهم لما أذعنوا له وهم تحت رئاسة هذا الشجاع الذي هو كهفهم ومأويهم (كذا). ثم سعا (كذا) في مصاهرة الباي مع شيخ انقاد ، فتزوّج الباي بابنة الشيخ على يد هذا الباسل وصارت رئاسته في الازدياد ، ثم سلّم في هذا الوظيف ورجع لما كان عليه قبل سفيرا ، لأنها من أعلا (كذا) المراتب وأجودها شهيرا ، وكان الباي مصطفى يحبّه كثيرا ، حتى أنه من شدة محبته إياه يخاطبه بقوله يا ولد الحلال خطابا كبيرا ، ثم ارتقى لمنصب آغة بالتحقيق فكان مقبول القول ومطاع الأمر بالتوفيق ، وسبب توليته أنّ ابن عمّه علي ولد عدة ولد البشير تولى آغة فقال له هذا الباسل نرغبك يا بن عمّي أن تقيد تحتك على الدواير ابن عمّك بالحضري ، ولك الأجر والرفعة على الغيري ، فقال له لا نقيّد إلا ولد عدة فلما رآه هذا الشجاع مصمما على ابنه وله في ذلك قوة وشدة ، طلب ذلك من الباي فقال الباي لآغة علي نحبك تجعل ابن عمّك بالحضري قايدا ، فأجابه بأنه إذا كان آغة لا يولي إلا ابنه وإلا فهذا الكلام كله زائدا ، فأمره الباي بنزع البرنوس وعزله فورا من التولية ، وولّى هذا الشجاع آغة في القولة المروية ، وقال له : والله يا ولد الحلال ما كنت أنطق إلّا بأنك أنت آغة بلا ريب ، فسبقني لساني لعلي والله شاهد عليّ في أمري في الحضور والغيب ، وكان هذا الشجاع محمود الأقوال والأفعال ، وجامع لسائر خصال الكمال ، كثير الشجاعة والسياسة ، والبراعة والكياسة ، توفرت فيه شروط الكمال ، ونال العز والرفعة والإقبال ، وقد تقدم الكلام عليه وما قيل فيه من النثر والنظم مستوفيا في ترجمة الباي المقلش والمسلوخ وعلي بما يغني عن الإعادة ، وقد مات ببني مناد في المعركة. وكم به من الجراحات في سائر المعارك بغاية الزيادة ، ولمّا مات خلّف ابنه الوجيه البارع أبا مدين خزنة الحفظ والفهم ، وكثير المعرفة والحفظ للنثر والنظم ، ولم يتول شيئا إلى أن مات فخلّف