والفروش ، وعتاق الخيل تحتهم كأنها النعام أو العزلان ، ولباسهم منوع بسائر الألوان ، وسروجهم مزوقة مرونقة وجلود النمر مسدولة مع الخيول ، وهي في سيرها منهمدة كأنها السيول ، وسلاحهم في غاية الصفاوة له شعاع وبروق ، وعلى تلك الخيول رجال في الشجاعة كأنها الأسود وألوانها لها نور وشروق ، فبات المخزن تلك الليلة معوّلا على القتال وطالبا للمكافحة والنزال ، شائقة أنفسهم للقاء الرحمان ، سائلة منه الشهادة للفوز بجنة رضوان ، ومن الغد تفرق المخزن بالجيش وقسّمه رايات باشتهار ، وانتشر ممتدّا من الحافة للمروج لكدية الخيار ، وضرعوا في قتالهم في ذلك اليوم ، فلا ترى من شدة الوطيس وكثرة القتلى من الجانبين إلّا الطيور لها عليهم الحوم ، وافترق الفريقان عشية ، وأخذ كل موتاه أخذة قوية ، وقد تمادى المسلمون في هجومهم ، في ذلك اليوم بغاية الجهد والقوة إلى أن وصلوا لوسط المحلة الفرانسوية وللحفير الذي ببرج صنطاندري (١٨٠) في غاية القوة ، ثم من الغد ارتحلت محال المسلمين ونزلوا بالضاية (١٨١) ، وابتدأ القتال بين الفريقين من الزوال / إلى ظلام الليل (كذا) بالغاية ، والمخزن له تقدّم للنزال ، وحرص على دوام القتال ، ثم انفصل الفريقان ورجع كل لمحلّه بالتحقيق ، وانجرح من الدوائر الحاج المزاري من سبّابته اليمنى لنيل التوفيق ، وعدة ولد عثمان من صدره ، وانكسر الحاج بن كاملة من ركبته وسلم في أمره ثم المختار بالتريكي ، والمولود بالبرغوث ، وأخذ النصارى فرسه الأزرق شديد الرغوث ، ويحيى بونوة ، والمختار بن ساردي ، وهم في غاية تقدّم وتمادي ، وكان ذلك في ثالث ورابع وخامس وسادس ماي سنة اثنين وثلاثين من الأعوام العجمية المسطورة ، الموافق لسنة ثمان وأربعين من الأعوام العربية المشهورة (١٨٢) وإلى هذه الواقعة في الأربعة الأيام المتوالية أشار السيد الحاج عده بن علي الشريف المذكور في عروبيته بقوله :
يا سايلني نعيد للشكر هديا |
|
للجيش الّي مشرّب للكفر الامرار |
__________________
(١٨٠) يقصد برج القديس أندري : SAINT ANDRE ? بجوار باب الجيارة شرق المدينة.
(١٨١) يقصد ضاية المرسلي ، على طريق سيدي الشحمي شرق المدينة كذلك.
(١٨٢) يقصد المعركة المعروفة بمعركة راس العين عام ١٨٣٢ الموافقة لشهر ذي الحجة عام ١٢٤٧ وليس ١٢٤٨ كما ذكر المؤلف.