لأنّه يخمر العقل ، فكأنّه جوّز تسمية كل ما فيه هذه العلّة خمرا (١) ، فيكون ترخيصا منه بالعموم كترخيصه في سائر الكلّيات كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب ، وهو باطل لعدم ثبوت حجّية القياس ، مع أنّ جماعة ممّن جوّز العمل بالقياس لم يجوّزه في اللّغة.
وقد يقلّب الدّوران على المستدلّ ، بأنّ التسمية دارت مع المعنى والمحل وهو ماء العنب أيضا ، فإنّ المجموع إذا وجد وجدت التسمية ، فإذا انتفى انتفت ، فالعلّة مركّبة.
ثم لا يذهب عليك أنّ رفع كل فاعل لم يسمع رفعه من العرب ونصب كل مفعول لم يسمع نصبه ونحو ذلك ، وكذلك إطلاق الرّجل على من لم يطلقه العرب وكذلك أقسام المجازات وأنواع العلائق ليس من باب القياس ، بل هو المستفاد من استقراء كلام العرب وتتبّع تراكيبهم بحيث حصل الجزم بتجويزهم ذلك ، وهذا ممّا لا خلاف في جواز الاعتماد عليه.
وأمّا الاعتماد على التبادر وعدم صحّة السّلب ورجحان المجاز على الاشتراك ونحو ذلك ، فليس من باب إثبات الوضع بالعقل ، بل إنّما هو للتمييز والتفرقة بين الحقائق والمجازات.
والحاصل ، أنّ الأجنبي باصطلاح قوم ، الجاهل بأوضاع كلماتهم إذا رأى انّهم يستعملون لفظا في معان متعدّدة ولا يعرف أيّها حقيقة وأيّها مجاز ، فلا ريب انّه
__________________
(١) وقد توجد هذه العلّة أيضا أي التخمير في النبيذ وفي بقيّة المسكرات ، فالنبيذ مثلا ويسمى حينئذ خمرا وكذا الفقّاع فيجري عليهما أحكام الخمر ، وكذا يسمى النبّاش بالسّارق بالخفية ، واللّائط بالزّاني لإيلاجه المحرّم وليس كل ذلك حقيقة كذلك.