من الأجوبة عن السّؤال الأوّل ، من جهة أنّها مبتنية على جعل العلم بمعنى الإدراك ما هو الظّاهر فيما ذكر متعلّقه ، سواء كان الإدراك يقينيا أو ظنيّا. والملكة لا تتّصف بالظنيّة والعلميّة (١) ، لأنّا نقول : الملكة معنى مجازيّ للعلم بمعنى الإدراك ، فتتّصف بالظنيّة والعلميّة باعتبار الإدراك أيضا (٢).
__________________
ـ إيّاها ، يعبر عنه بالتهيؤ المطلق أيضا. ثانيها بعد حصول المبادئ المذكورة وقبل ترتيب المقدمات تسمى العقل بالملكة المعبّر عنه بالتهيؤ القريب والاقتدار أيضا.
ثالثها بعد الحصول والترتيب والانتقال الى النتائج النظريّة تسمى العقل بالفعل. رابعها بعد حصول الثلاثة بحيث صارت مخزونة عند النفس وحصّله متى شاءت بلا حاجة الى ترتيب المقدمات تسمى بالعقل المستفاد. وهذه المرتبة مختصة بالمعصومين عليهم أفضل الصلاة والتسليم ، ولعل هذا هو المراد من قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ). وفي بعض الكتب تسمية الرّابع باسم الثالث وبالعكس.
إذا عرفت كل هذا تعلم أنّ المراد من العلم في الحدّ ليس المرتبة الأولى أي التهيؤ المطلق ، لحصول هذا في جميع أفراد الانسان في بداية الخلقة ، فبإرادته لم يكن الحدّ مانعا ، فلذا قيّده بعضهم بالتهيؤ القريب. ولا المرتبتين الأخيرتين أيضا ، إذ بإرادة كل واحدة منها لم يكن النقض المذكور مدفوعا لعدم حصول ترتيب المقدمات والانتقال الى النتائج لأكثر الفقهاء ، بل المراد منه هو المرتبة الثانية أعني العقل بالملكة ، ولمّا فسّر المصنف رحمهالله العلم بالتهيؤ جمع بينه وبين الاقتدار للاحتراز عن المرتبة الاولى ثم تأكيدا لعدم إرادة الأولى أتى لجامع بينهما وهو الملكة.
(١) فلا يقال إنّها ظنّ ولا يقال إنّها علم.
(٢) فيقال للملكة ظنيّة ، ويقال لها علمية باعتبار كونها سبب الادراك. فكما يتّصف الادراك بالظنيّة والعلمية وهو المسبب ، فكذلك تتّصف الملكة بهما أيضا وهي السبب.
ويحتمل أن يكون المراد منه أنّ الملكة كما تتّصف بالظنيّة والعلمية على القولين الأوّلين ، أعني أخذ العلم بمعنى القطع أو الظنّ ، كذلك تتّصف بهما على القول الثالث باعتبار الإدراك ، أعني أخذ العلم بمعنى الاعتقاد.