فلذلك قد يدّعي أحدهم أنّ الأمر بالشيء لا يدلّ على النّهي عن ضدّه الخاص عرفا بأحد من الدّلالات (١) كما هو الحقّ ، ويدّعي آخر دلالته لما التبس عليه الأمر من جهة الأدلّة العقلية التي قرّبت إليه مقصوده.
وكذلك في مقدّمة الواجب ، فلا بدّ أن يرجع الى عرف عوامّ العرب ، فإنّهم هم الّذين لا يفهمون شيئا إلّا من جهة وضع اللّفظ ، فالفقيه حينئذ كالجاهل بالاصطلاح وإن كان من جملة أهل هذا الاصطلاح.
وبالجملة ، لا بدّ من بذل الجهد في معرفة أنّ انفهام المعنى إنّما هو من جهة اللّفظ لا غير.
وبما ذكرناه (٢) ؛ يندفع ما يتوهّم ، أنّ التبادر كما هو موجود في المعنى الحقيقي. فكذلك في المجاز المشهور ، فلا يكون علامة للحقيقة ولا لازما خاصّا لها ، بل هو أعمّ من الحقيقة.
وتوضيح ذلك : أنّ المجاز المشهور ، هو ما يبلغ في الاشتهار بحيث يساوي الحقيقة في الاستعمال أو يغلبها [يغلب] ، ثمّ إنّ الأمر فيه الى حيث يفهم منه المعنى بدون القرينة ، ويتبادر ذلك حتّى مع قطع النظر عن ملاحظة الشهرة أيضا ، فلا ريب أنّه يصير بذلك حقيقة عرفيّة كما ذكرنا سابقا ، وهذا أيضا وضع ، فالتبادر كاشف عنه ، وإن لم يكن كذلك ، بل كان بحيث يتبادر المعنى بإعانة الشّهرة وسببيّته وإن لم يلاحظ تفصيلا (٣) ، وهو الذي ذكره الأصوليّون في باب تعارض الأحوال.
__________________
(١) الدلالات الثلاث.
(٢) من أنّ التبادر بلا قرينة هو علامة الحقيقة بخلاف التبادر مع القرينة ولو كانت قرينة الشهرة كما مرّ الاشارة إليه ، فإنّ ذلك التبادر علامة المجاز.
(٣) بمعنى انّ سبب التبادر هو الشهرة ، والمراد بالملاحظة التفصيليّة هو أن يلاحظ المعنى الحقيقي أوّلا ثم المعنى المجازي ثانيا ثم العلاقة والمناسبة بينهما ثالثا.