واختلفوا في ترجيحه على الحقيقة المرجوحة في الاستعمال (١).
فالحقّ ، أنّ هذا مجاز ، والتبادر الحاصل في ذلك ليس من علائم الحقيقة ، والذي اعتبر في معرفة الحقيقة هو التبادر من جهة اللّفظ مع قطع النظر عن القرائن ، وإن كانت القرينة هي الشّهرة ، والموجود فيما نحن فيه إنّما هو من جهة القرينة.
وبعد ما بيّنا لك سابقا (٢) ، لا مجال لتوهّم أن يقال إنّ الجاهل بالاصطلاح إذا رأى أنّ أهل هذا الاصطلاح يفهم من اللّفظ هذا المعنى ، ولا يظهر عليه أنّ ذلك من جهة الشهرة أو من جهة نفس اللّفظ فينفي القرينة بأصل العدم ويحكم بالحقيقة مع أنّه في نفس الأمر مجاز ، فالتبادر لا يثبت الحقيقة فقط ، وذلك لأنّ أصل العدم لا يثبت إلّا عدم العلم بالقرينة ، وما ذكرنا مبنيّ على لزوم العلم بعدم القرينة حتّى يختص بالحقيقة ، هذا إذا قلنا بلزوم تحصيل العلم في الأصول.
وأمّا على القول بعدمه (٣) كما هو الحق والمحقّق ، فهذا الظنّ الحاصل من الأصل مع التتبّع في محاورات أهل ذلك الاصطلاح يقوم مقام العلم كما في سائر المسائل الأصولية والفقهية وغيرها (٤). فاعتقاد كونها حقيقة مع كونها مجازا في
__________________
(١) فمنهم من قال بتقديم الحقيقة على المجاز المشهور كأبي حنيفة كما في «المحصول» ١ / ١٨٩ ، ومنهم من قال بالعكس كأبي يوسف ، كما في «المحصول» في المسألة العاشرة في المجاز وتوقف الأكثر عن حمل اللّفظ على شيء منهما ، ومنهم صاحب «المعالم» في صيغة افعل ص ١١٦. وسيشير المصنف الى هذا الاختلاف.
(٢) من لزوم التخلية والاستقراء.
(٣) بعدم لزوم تحصيل العلم في علم الاصول وحينئذ يكفي التبادر الفقاهتي وهو التبادر المظنون استناده الى نفس اللّفظ مع انضمام أصالة عدم القرينة ، فلا يكون علامة لأنّه يعمل بظنّه وربما يكون في الواقع مجازا.
(٤) المراد من سائر معنى الجميع وان كان قليل الاستعمال في هذا المعنى مأخوذا من ـ