المغارة الكبيرة ، والرقيم اللوح الذي رقمت فيه اسماء اهل الكهف ، وطريف قول من قال : ان الرقيم اسم كلبهم .. والمعروف عند الرواة ان اسمه قمطير .. ومهما يكن فقد جاء في الكتب القديمة قصة اصحاب الكهف ، وتعجب الذين قرأوها أو سمعوها : كيف ظلوا نائمين السنين الطوال ، وبقوا احياء بلا غذاء!. فقال سبحانه في هذه الآية لكل من تعجب واستغرب : لا تعجب من ذلك ، فكل آيات الله عجب يحير العقول .. ان الذي أوجد اصحاب الكهف والكون بما فيه من لا شيء يهون عليه أن يبقي فتية في النوم أمدا طويلا ، ثم يبعثهم كما كانوا ، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً). يشير سبحانه في هذه الآية واللتين بعدها الى قصة اهل الكهف على الإجمال ، ثم يشرع بالتفصيل .. تقول هذه الآية : كان فيما مضى فتية تركوا كل شيء في هذه الحياة وآووا الى الكهف ، وطلبوا من الله ان يرحمهم ، ويدبر شئونهم ، وهم في الكهف.
ولم يشر سبحانه في هذه الآية الى السبب الذي دعاهم ان يتركوا كل شيء ، ويلوذوا بالكهف ، ويطلبوا من الله ان يدبر أمورهم .. والذي نفهمه من طبيعة الحال ، وما تشير اليه الآيات الآتية هو ان هؤلاء الفتية اهتدوا بفطرتهم السليمة الى ان مجتمعهم على ضلال في عبادة الأصنام ، وانهم رفضوا ان يعبدوا ما يعبد آباؤهم ، فحاول المترفون ـ كما هو ديدنهم ـ ان يقتلوا الفتية او يفتنوهم عن دينهم ، ولما انسدت على الفتية جميع المسالك ، ولم يجدوا آية وسيلة الا اللجوء الى الكهف آووا اليه ، وقالوا لله : لقد أوذينا فيك حتى بلغ بنا الأمر الى ما ترى ، ونحن في أشد الحاجة الى عونك ورحمتك ، فإياك نسترحم ، وبك نستعين.
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) أنمناهم نوما لا ينبههم معه شيء. وبقوا كذلك سنين معدودة ، ويأتي الكلام عن عدد هذه السنين في الآية ٢٥ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم من نومهم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً). عرف الناس قصة اهل الكهف ، وهم ما زالوا غارقين في سباتهم ، وتداولت اخبارهم الأجيال ، واختلفوا في مدة لبثهم ، فمن مقل ومن مكثر ، فايقظ الله اهل الكهف ليعرف الفريقان ان اهل الكهف لبثوا في نومهم أمدا غير قصير