لعلام الغيوب (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي). القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض : وقد عبّر عن الذين يلبسون الحق بالباطل بأنهم جنود إبليس وأولياؤه في العديد من الآيات. وقال هنا عز من قائل : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) فجاز لنا ـ وهذه هي الحال ـ ان نفسر ذرية إبليس بجنوده وأعوانه ، وان ذرية إبليس وجنوده وأولياءه هم الذين يلتمسون الباطل بالكذب والافتراء على الحق .. وليس ببعيد أن يكون التعبير عن هؤلاء بذرية إبليس للاشارة الى قوة الشبه بين أعمالهم وأعماله.
ومن الطريف قول من قال : ان لإبليس ذكرا في فخذه الأيمن ، وفرجا في فخذه الأيسر ، فيدخل ذاك بهذا فيأتي النسل والذرية.
(قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ). وكل من يموه عليك ، ويغريك بالباطل ، أو يثني عليك بما ليس فيك فهو عدو لك ، شعر بذلك أم لم يشعر ، أما من يبتدع الأساطير حول إبليس وغيره فهو عدو الله ورسوله والانسانية (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً). والظالمون هم الذين يستبدلون طاعة الشيطان بطاعة الرحمن ، ومنهم الذين يختارون المفسدين لمنصب من المناصب ، ويفضلونهم على الصالحين.
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً). ضمير أشهدتهم راجع الى إبليس وذريته. وما أشهدتهم أي ما أحضرتهم حين خلقت الكون وخلقتهم ، والعضد النصير والمعين ، والمقصود بالكلام العاصون الذين فسقوا عن أمر الله ، والمعنى ان الله سبحانه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ، لا يستشير أحدا ، ولا يستعين بأحد لأنه غني عن العالمين ، وحين خلق الكائنات لم يحضر واحدا منها ، حتى ولو كان أتقى الأتقياء ، فكيف إذا كان ضالا مضلا كإبليس وجنوده ، وما دام الأمر كذلك فكيف يعصى خالق السموات والأرض ، ويطاع من لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع عنها ضرا؟.
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) أي مهلكا ، والمعنى ان الله يقول غدا لمن يشرك في طاعته : أين الذي أطعته وزعمت انه يجديك نفعا في هذا اليوم العصيب؟. ادعه وانظر هل يستجيب لك؟. كلا ، انه في شغل شاغل عنك وعن غيرك .. انه في عذاب