بكاملها لذي القرنين ، وبها أصبح قويا مهابا ، وهذا هو معنى تمكينه في الأرض .. وتدل الآية دلالة واضحة على ان الله سبحانه يوجد الأشياء بأسبابها.
(فَأَتْبَعَ سَبَباً). مهّد الله الأسباب وهيأها لذي القرنين ، فاغتنمها واستغلها في الخير وصالح الأعمال. من ذلك ذهابه الى المغرب الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ). المراد بمغرب الشمس بلاد المغرب ، ومن الواضح ان الشمس لا تدخل العين فتعين ان يكون المراد بالعين الحمئة البحر الذي يتراءى للإنسان ان الشمس تغيب فيه ، وهذا البحر من بحار المغرب ، وكان على شاطئه طين أسود ، ولكن أي بحر هو؟ الله أعلم. ويقول الشيخ المراغي : انه المحيط الأطلنطي.
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً). ضمير عندها يعود الى العين ، وظاهر الآية بمفردها يدل على ان الله سبحانه ترك لذي القرنين أمر التصرف في أهل تلك البلاد ، ان شاء عذبهم ، وان شاء أحسن اليهم .. ومن الواضح ان هذا لا يتفق مع عدالته تعالى ، ولكن إذا عطفنا هذه الآية على الآيات الآمرة بقتل الكفار والمشركين ان أصروا على الكفر والشرك ، إذا جمعنا الآيات في كلام واحد دلت بمجموعها على ان القوم الذين وجدهم ذو القرنين في المغرب كانوا كفارا ، وانه عرض عليهم الايمان فامتنعوا.
وتسأل : هل يجوز الإحسان الى الكفار؟.
الجواب : يجوز إذا لم يقاتلونا في الدين ، ولم يخرجوا أحدا من دياره ، قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) ـ ٨ الممتحنة.
(قالَ ـ ذو القرنين ـ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً). هذا هو الدستور لحكم ذي القرنين وسلطانه ، ويتلخص بهذه الكلمة : السيف لمن عصى الله ، والحسنى لمن أطاعه .. ان المال والعلم والسلطان نعمة عظمى يمتحن الله بها عباده ، فأما الأشرار فتزيدهم كفرا وطغيانا ، واما الأخيار