ربك رحم عبده أو مفعول لفعل محذوف أي أعني عبده. وزكريا بدل من عبده. وشيبا تمييز محول عن فاعل ، لأن المعنى اشتعل شيب الرأس.
المعنى :
(كهيعص) تقدم نظيره مع التفسير في أول سورة البقرة (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا). في هذه الآيات يقص سبحانه على نبيه محمد (ص) : كيف رحم عبده ونبيه زكريا ، وأنعم عليه بولده يحيى .. وزكريا من نسل سليمان ابن داود ، وكان متزوجا بخالة مريم ، وكان كافلا لها ، وتقدمت الاشارة الى ذلك عند تفسير الآية ٣٨ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٥٣. وقيل ان زكريا كان نجارا (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا). دعا الله بينه وبينه :
و (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا). تقدم السن بزكريا دون أن يرزق ولدا ، ولذا تضرع الى الله شاكيا ضعفه وشيخوخته ، وقال فيما قال : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) ـ ٨٩ الأنبياء». أدعوك يا إلهي ، وأنا غير يائس من فضلك ورحمتك : كيف؟ ولم تخيب من قبل رجائي فيك ، وحاشاك ان توجهني في حاجتي الى سواك.
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا). زكريا شيخ كبير ، وامرأته عجوز عقيم ، فخاف ان جاء أجله ان يرثه بنو عمومته ، وهم من بني إسرائيل ، وقيل : انهم كانوا من شرار الناس .. وليس هذا ببعيد على إسرائيل .. فإذا ورثوه أساءوا الى الناس ، وأفسدوا عليهم دينهم ودنياهم ، ورغم شيخوخة زكريا وعقم زوجته فإنه كان عظيم الثقة بخالقه ، ولذا دعاه أن يجبر كسره ، ويقضي حاجته.