قالا له : إنا رسولا ربك ، أما النداء فخصه بموسى لأنه صاحب الدعوة وهرون تابع.
(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى). قال موسى لفرعون جوابا على سؤاله : ربنا هو الذي خلق الخلائق ، فصورها فأحسن صورها دون أن يستعين على ذلك بأحد ، وهو الذي فطر كل مخلوق على الوظيفة التي تحفظ كيانه وبقاءه ، قال الإمام علي (ع) : «ألا تنظرون الى صغير ما خلق الله كيف خلقه ، واتقن تركيبه ، وخلق السمع والبصر ، وسوى له العظم والبشر». وكأنّ موسى يقول لفرعون : ان الرب هو الذي يخلق الأشياء من لا شيء ، فأين انت من هذا؟ تماما كما حدث لإبراهيم (ع) مع النمرود : (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ـ ٢٥٨ البقرة.
(قالَ ـ فرعون ـ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى). المراد بالقرون الأولى قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم الخالية التي كانت تعبد الأصنام من دون الله ، وأراد فرعون بهذا السؤال الرد على موسى بأنه لو كان هناك إله بالأوصاف التي ذكرت لعبدته الأمم السابقة ، مع العلم بأنها كانت تعبد الأصنام .. وهذا الجواب يحمل معه الدليل على نقضه وفساده لأن الاستدلال على نفي الإله الحق بعبادة من عبد الأصنام تماما كالاستدلال بعمى الخفاش على عدم وجود الشمس.
(قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى). أجاب موسى فرعون بأني لست علّام الغيوب حتى أخبرك عن الأمم البائدة ، فالله وحده هو الذي أحاط بكل شيء علما ، وعلمه دائم لا يعتريه التغيير والتبديل : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ـ ٦ المجادلة.
وتسأل : ان موسى يعلم علم اليقين أن عبدة الأصنام كانوا على ضلال ، فلما ذا قال لفرعون : الله أعلم بهم ، ولم يقل : كانوا على ضلال؟
الجواب : لو قال : ان القرون الأولى كانوا ضالين لطالبه فرعون بالدليل الذي يقتنع به السامعون أو يكون حجة دامغة لا يستطيعون إنكارها ، وموسى لا يملك هذا الدليل ، ولذا أجاب فرعون بما لا يطالبه بالدليل عليه.