وهكذا كل مخلص لا يبالي بسيف الجلاد من أجل دينه ومبدئه .. ومحال أن يعيش دين من الأديان أو مبدأ من المبادئ إذا لم يجد أنصارا من هذا الطراز.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) أي وليغفر لنا أيضا ما أكرهتنا عليه من السحر ، وهو من باب عطف الخاص على العام (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) منك ومن ثوابك يا فرعون .. كانت المباراة بين موسى والسحرة في ظاهرها ، وبين حزب الله وحزب الشيطان في واقعها ، ومن الشوط الأول أيقن كل من شاهد المباراة حتى فرعون والسحرة أنفسهم ، أيقنوا جميعا بأن حزب الله هم الغالبون ، وأعلن السحرة ان يقينهم هذا عن علم لا يقبل الشك ، وانهم كانوا على ضلال في تحديهم لموسى ، وان فرعون هو الذي ألجأهم اليه ، وأكرههم عليه ، وسألوا الله سبحانه العفو والصفح عما مضى .. وفي اعتراف السحرة هذا دلالة واضحة على ان السحر لا واقع له ، وانه تمويه وتضليل ، تماما كما قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى).
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) هذا كناية عن دوام العذاب ، ومثله : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) ـ ٣٦ فاطر ، وكلمة مجرم تتناول كل من أفسد وأساء في قول أو عمل كافرا كان أو غير كافر ، والدليل على ان المراد بالمجرم من هو أعم من الكافر قوله تعالى : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى). حيث قرن سبحانه الايمان بالعمل الصالح ، ومعنى هذا ان الايمان بلا عمل لا يجدي صاحبه شيئا. وبكلام آخر : ان المؤمنين هم الصالحون في مقاصدهم وأعمالهم ، أما الذين يسعون في الأرض فسادا فهم في زمرة المجرمين ، وان ملأوا الدنيا تهليلا وتكبيرا.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى). الجنات والدرجات عند الله هي للذين زكت أنفسهم بالحب والإخلاص للناس كل الناس ، وتطهرت من شوائب الخيانة والطمع والكراهية ، ومئات الآيات من آي الذكر الحكيم تتضمن هذا المعنى تصريحا أو تلويحا.