المعنى :
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى). أصر فرعون على عناده ، وأبى إلا الكبرياء والجبروت ، والا ان ينعت موسى بالخارجي ، ومعجزاته بالسحر ، ووجد من يظاهره على ذلك ويناصره : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ـ ١٢٧ الأعراف. وصمم فرعون على قتل موسى ، فأوحى الله اليه أن يخرج ببني إسرائيل من مصر ليلا ، وأن يضرب البحر بعصاه ، فينشق الى قطع بينها طرق وشعاب ، يسلكها الاسرائيليون الى الجانب الآخر ، وهم آمنون على أنفسهم من الغرق ومن فرعون وشره : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى ، وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) ـ ٦٤ الشعراء.
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ). اتبعهم وتبعهم بمعنى واحد ، وغشيهم ما غشيهم فيه تعظيم للأمر .. وفي الكلام حذف كثير ، ولكنه مألوف في القرآن لأن السياق يدل عليه ، والتقدير خرج موسى ليلا بقومه ، ولما وصل الى البحر ضربه بعصاه ، فانشق الى طرق لا ماء فيها ، فسلكها الاسرائيليون ، ولحق بهم فرعون وجنوده ، وسلك في أثرهم ، ولما وصل آخر اسرائيلي الى الجانب الثاني من البحر ، ودخل آخر جندي في البحر من جنود فرعون انطبق البحر عليهم فغرقوا جميعا ، كما سلم الاسرائيليون جميعا (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى). أضلهم عن الحق ، وأضلهم في البحر أيضا ، وكان من قبل يقول لهم : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) ـ ٢٩ غافر.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون الذي كان يسومكم سوء العذاب يذبح أبناءكم ، ويستحيي نساءكم (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ). يشير سبحانه الى الوعد الذي وعده موسى بعد أن أغرق فرعون ، وهو أن يأتي موسى الى جانب الطور فينزل الله عليه التوراة ، فيها بيان الشرائع والأحكام (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) تقدم بنصه الحرفي في الآية ٥٧ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٦.