فاغتنموا غياب نبيهم موسى ، وعبدوا العجل ، وحققوا ما كانوا يحلمون به من قبل ، حيث رأوا قوما (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ ١٣٨ الاعراف. وسبقت الاشارة الى ذلك في الآية ٥١ من سورة البقرة و ١٤٨ من سورة الاعراف .. والآيات التي نحن بصددها ، والتي بعدها الى الآية ٩٨ كلها تتحدث عن هذا الموضوع وما يتصل به ، وتعود بنا اليه.
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى). بهذا السؤال تبدأ حكاية العجل .. يذهب موسى الى ربه ليتلقى الوحي ، فيسأله سبحانه عن تعجله ، وهو أعلم بالسبب ، كي يخبره عما أحدث قومه من عبادة العجل (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى). يدل ظاهر الكلام على انه كان المفروض ان يأتي موسى الى الطور ، ومعه جماعة من قومه ، فأتى وحده ، فاتجه السؤال ، وجاء الجواب انهم لاحقون بي بلا تأخير ، وسبقتهم اليك يا إلهي حرصا على مرضاتك .. قال هذا ، وهو لا يعلم ما ذا أحدثوا بعده.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ). المراد بالفتنة هنا التمحيص والاختبار ليظهر الاسرائيليون على حقيقتهم ، يقال : فتنت الذهب بالنار إذا اختبرته ، ووجه الاختبار هنا ان الله سبحانه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل بلسان هرون ، وأمرهم الشيطان بعبادته بلسان السامري ، فعصوا الرحمن ، وأطاعوا الشيطان ، وظهروا بذلك على حقيقتهم من ضعف الايمان ، والاستعداد التام للكفر والجحود ، تماما كما يجترح المجرم المحرمات حين يجد السبيل اليها ، ويفتضح على رؤوس الاشهاد.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً). تقدم في سورة الأعراف الآية ١٥٠ (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً). يشير بهذا الى ان الله قد وعد بإنزال التوراة على نبيهم ، وفيها تفصيل كل ما يحتاجون اليه من معرفة الحلال والحرام ، وانه عز وجل سيملّكهم دار الفاسقين كما في الآية ١٤٥ من سورة الاعراف : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ).