أَمْرِي). حين ذهب موسى الى الطور قال لأخيه هرون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ـ ١٤٢ الاعراف. وأصلح هرون كما أمره موسى ، فنصح منذرا ومحذرا بني إسرائيل من السامري وعجله ، وقال لهم فيما قال : ما الذي غركم من هذا العجل حتى افتتنتم به هذا الافتتان ، وانصرفتم اليه عن خالق السموات والأرض! فاتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ، فما كان جواب قومه إلا ان (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) لنرى رأيه في ذلك .. وكأنهم ينتظرون من موسى ان يسفه هرون في نهيه ، ويصوبهم في عبادة العجل لأنه من ذهب .. وكل من آثر المال على دينه وضميره ، أو اتبع ضالا على ضلاله فهو من أتباع السامري وحزبه .. وقد ابتلى الله عباده في كل عصر بعجل له خوار مصنوع من ذهب ، أو من نسل آدم ، يميز به صفوة خلقه من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق.
(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي). هذا في ظاهره لوم أو عتاب لهارون ، أما في واقعه فهو توبيخ وتقريع للذين عبدوا العجل ، لأن موسى على علم اليقين بأن أخاه هرون لم ولن يخالفه في شيء ، وانه قام بواجب الإرشاد على أكمل الوجوه لأنه شريكه في النبوة والعصمة (قال يا ابن أم) (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) تقدم في الآية ١٥٠ من سورة الاعراف.
(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) قال موسى لهارون : لما ذا لم تترك بني إسرائيل ، وتلحق بي إذ رأيتهم يعصونك ويتبعون السامري؟ فأجابه هرون بأني توقعت إذا تركتهم ان تقع فتنة يسفك فيها الدماء بين الفئة المؤمنة منهم والفئة التي ارتدت عن دينها بعبادة العجل ، وعندها تنعكس الآية ، ويحق لك ان تلومني على تركهم ، وان تقول لي : أتتركهم كي يحدث ما حدث! وخلاصة الجواب ان الذي يراه الشاهد لا يراه الغائب.
فاقتنع موسى وقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ـ ١٥١ الاعراف. ثم اتجه موسى الى السامري و (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ)؟ ما الذي دعاك الى ما صنعت (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) قيل : المراد بالرسول